الكيمياء والصيدلة > صيدلة

FDA توافق على أوّل دواء بيولوجي لمعالجة الربو

استمع على ساوندكلاود 🎧

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA على استخدام الدواء الجديد Mepolizumab لمعالجة الربو الشديد – لدى المرضى الذين تفوق أعمارهم أحد عشر عاماً - بالمشاركة مع أدوية الربو الأخرى التقليدية.

فما هي أهمية العلاج الجديد؟

الربو مرضٌ التهابيٌ مزمن يصيب الطرق التنفسية والرئتين، تتضيق خلال النوبة الطرق التنفسية مسببةً صعوبةً في التنفس. يعاني المصابون بالربو الشديد من نوباتٍ متكرّرةٍ قد تشكل خطراً على حياتهم وتتطلّبُ إدخالَهم إلى المشفى للسيطرة عليها، حيث وُجِدَ أنّ نصفَ المصابين بالربو الشديد يُنقَلون إلى المشفى في حالة إسعافية مرّةً واحدة على الأقل كلَّ سنة، يتمُّ على سبيل المثال إسعافُ 400 ألفِ مريضٍ سنوياً في أميركا نتيجةَ هذه النوبات. ومع عدمِ فعاليّة الأدوية التقليدية في تدبير المرض، تبرز أهميّة إيجاد علاجٍ نوعي كهذا العقار الجديد.

لنتعرف أولا على الآلية الإمراضيّة لمرض الربو:

تحتوي أجسامنا على السيتوكينات Cytokines وهي بروتينات يتمُّ إفرازها من خلايا معينة لتؤثّر في سلوك خلايا أخرى، أحد هذه السيتوكينات هو Interleukin-5 والذي له دورٌ في نمو وتمايز نوع من الكريّات البيضاء تدعى الحمضات Eosinophils. يلعب ارتفاع نسبة الخلايا البيضاء الحامضية دوراً كبيراً في تفاعلات التّحسّس ويساهم بشكل كبير في تطوِّر التهابِ القصبات، وبالرغم من وجود العديدِ من العوامل التي تتداخلُ في الاستجابة التحسسية، إلا أن البروتينات المُشتقَّة من الخلايا البيضاء الحامضية تلعبُ الدورَ الاساسي في أذياتِ الطرق التّنفسية. تقترحُ النتائجُ المخبريةُ التي أظهرت وجودَ علاقةٍ بين ارتفاعِ الانترلوكين IL-5 وتواجد الكريات البيضاء الحامضية أن هذا السيتوكين يلعب دوراً هاماً في تنظيمِ عملِ الخلايا البيضاء الحامضية وتنشيطها في حالات التّحسّس حيث تقوم عن طريق آلياتٍ مختلفة بإحداثِ أذيّاتٍ في المسالك التنفسية بالإضافة إلى التشنّج القصبي.

يمكنُ منعُ حدوث هذه التأثيرات منذ البداية بمعاكسةِ عمل الـ Interleukin-5، وهذا هو دورُ الدواءِ الجديد Mepolizumab الذي يعتبرُ مثالاً عن الأدوية البيولوجية، فهو عبارة عن ضدّ وحيدِ النسيلة monoclonal antibody مؤنسَن humanized تمّ إنتاجه بتقنية تأشيب ال DNA.

قد تبدو العبارة السابقة مبهمةً للكثيرين لذلك سنتعرّف على ماهية الأضداد وحيدة النسيلة:

بدايةً نعلم أن كلّ مادةٍ غريبة –ذاتِ طبيعةٍ بروتينية- تدخلُ إلى جسم الإنسان تسمّى مستضد، يتم معاكستها من قبل جهاز المناعة بإنتاج الأضداد التي ترتبط معها وتُبطل مفعولها. إنّ حقن نفس المستضد في حيوانٍ ما (الفأر مثلاً)، يحفّز جهاز المناعة لديه لإنتاج أضداد من قبل اللمفاويات (نوع من الخلايا البيضاء يلعب دوراً هاماً في الاستجابة المناعية) تعاكس هذا المستضد.

للحصول على هذه الأضداد وبكميّاتٍ كبيرةٍ يتم اللجوء إلى عزل الخلايا اللمفاوية، ثمّ تنميتها في المخبر ضمن أوساط خاصّة لنحصل على ما يسمى بالمزارع الخلوية. ورغم أنّ الأضداد التي تتشكّل في جسم الفأر مشابهةٌ للأضداد التي تتشكّل في جسم الإنسان، إلا أن مشكلتها تكمن في أنّ جسم الإنسان يتعرّف عليها في الكثير من الأحيان على أنّها جسم غريب، أي يتعامل مع الضد كما لو أنه مستضد يسبب تأثيراتٍ التهابيةً، لذلك يولد أجساماً مضادةً تعاكس عمله وتزيله من الدوران الدموي بسرعة، وبالتالي لا تتحقق أي فائدةٍ من استخدامه.

لتجاوز هذه المشكلة يتوجب علينا إنتاج أضدادٍ بشرية المنشأ، أي تتشكل مباشرةً في الجسم البشري، لكن هذه العملية صعبةٌ جداً و غيرُ مقبولةٍ أخلاقياً. من هنا جاءت أهميّة الحصول على أضداد يكون جزءٌ منها ذا منشأٍ بشريٍ والجزء الآخر ذا منشأٍ حيواني ، وهي ما يعرف بالأضداد وحيدة النسيلة المؤنسَنة Humanized حيث يتألّف الضد من جزأين: جزءٌ ذو منشأ حيوانيّ يشكّلَ مكان الارتباط مع المستضد، والجزء الآخر الذي يشكل بقية الضد سيكون ذا منشأٍ بشري. فكيف يتم ذلك؟

يتم ذلك من خلال عمليّة التأشيب Recombination، أي دمج موّرثةٍ ضمن DNA، وبالتالي سوف يتغير ناتج التعبير عن هذه الموّرثة (البروتين الذي سيتم اصطناعه وفق تسلسل محدد من الـ DNA)، وفي حالتنا هذه فالبروتين الذي تم إحداث التغيير فيه هو الضد المؤنسن. أمّا التسمية "وحيدة النسيلة" تعني أنّها تنتج من خلية واحدة في الأصل.

بعد أن تعرّفنا على الأضداد وحيدة النسيلة، نعود للتحدّث عن Mepolizumab والمزايا التي أثبتها خلال التجارب السريرية:

أدّى استخدام هذا الدواء إلى انخفاض تكرار النوبات عند المرضى بالإضافة إلى تباعدها، كذلك خفضِ الجرعات اليوميّة اللازمة من الستيروئيدات، ولكن لم يترافق استخدامُه مع تحسّنٍ في وظيفة الرئة. أما طريقة استخدامه فتتم حقناً تحت الجلد أعلى الذراع أو الفخذ أو في البطن، وذلك كل 4 أسابيع.

بالنسبة للتأثيرات الجانبية الناتجة عن استعمال Mepolizumab ، فأهمها الصّداع والتفاعلات التّحسّسية في موضع الحقن (كالألمِ و الاحمرارِ والشعورِ بالحرق) وألمِ الظّهرِ و التعب. قد تظهر إصاباتٌ تحسسية خلال الأيامِ أو الأشهرِ الأولى من استخدامه تتضمّنُ تورمَ الوجهِ و اللسانِ والدوارِ والغثيانِ والشرى الجلدي والطفح وصعوبةِ التنفس. يعاني بعض المرضى كذلك من الإصابة بداء القوباء المنطقية التي يسببها فيروس الحلأ.

ختاماً، يشكّل Mepolizumab نقطةً فارقةً في مجال المعالجة كأوّل دواءٍ بيولوجي للربو وأول دواءٍ معاكسٍ للـ Interleukin-5، ويوسّع مجال استخدام الأضداد وحيدة النسيلة الذي كان قد أثبت نجاحاً في علاج السرطانات.

المصادر: هنا

هنا

هنا

هنا

هنا