الفنون البصرية > فن وتراث

أوريغامي Origami، فن طيِّ الورق

استمع على ساوندكلاود 🎧

أوريغامي Origami كلمةٌ يابانيةٌ تعني "طيّ الورق". فكلمة Ori تعني "طيّ" أما كلمة Kami أو Gami فتعني "ورق". وهو شكلٌ من أشكالِ الفنّ التي تمّ تناقله من الآباءِ إلى الأبناءِ عبر أجيالٍ عديدةٍ والذي ينطوي على تشكيلِ نماذجَ ورقيةٍ عن طريق طيّ الورق. حيث يمكنُ للشخص تعلّمَ تشكيلِ نماذج لحيواناتٍ وطيورٍ وأسماكٍ وقوارب وحتى لأشكالٍ هندسيةٍ ودمى وأقنعةٍ بجلسةٍ واحدةٍ فقط قد لا تستغرق بضعَ دقائق.

بعكسِ غيره من الفنون، أدى تطوّرُ صناعةِ الورق بسرعة إلى صعوبة اقتفاء أول مكان ظهر فيه الأوريغامي ومن معرفة من قام بابتكاره. يقالُ أنّ اختراعَ الورقِ جاء من الصين عام 105 م، فيمكننا بذلك أن نعوز ظهور الأوريغامي للصين أيضاً رغم وجود الكثير من الجدال حول هذا التاريخ. فالبعض يرجّح ظهور الورق قبل ذلك.

ومن أحدِ أشهرِ وأقدمِ أشكالِ طيّ الورق في الصين هو يوانباو (Yuanbao) والذي يصنع من ورقٍ ذهبي اللون ويُحرقُ كقربانٍ يقدّمُ للموتى. لا يُعرفُ تاريخٌ لهذا التقليدِ الصيني إلا أنّه يمكن ترجيحه لقرابةِ العام 1000 م.

يتميز الأوريغامي عن غيره من الفنون بكونه ثلاثيَّ الأبعاد أو كما يعرف بالمغامرة الذهبية (Golden Venture) وهو شكلٌ آخرٌ من أشكالِ طيّ الورق التي يُرجّحُ أنها تعود للصين أيضاً. يُشكّلُ هذا النوع من تجميع أجزاءٍ ورقيةٍ صغيرةٍ مثلثيةِ الشكل لتعطي شكلاً ثلاثيَ الأبعاد. ويُرجّحُ أنّ أصلها من الصين لدخولها للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ عام 1993 عن طريقِ مهاجرينَ صينيينَ غيرَ شرعيين كانوا على متنِ الباخرةِ المسماةِ (المغامرةِ الذهبية).

في اليابان:

عُرِف الورقُ في كوريا في القرن السادس الميلادي ليدخلَ اليابان بعدها عن طريقِ أحدِ الرهبان البوذيين. وهناك أصبح طيُّ الورق فناً وتطوّر شيئاَ فشيئاً حتى أمسى يُعرف اليوم بـِ أوريغامي. لكنّ ارتفاع سعر الورق وعدم توفره في متناول الجميع، جعلَ من استخدامِ كلّ من الورق وفنّ طيّ الورق مقتصراً على الشعائر الدينية والمناسباتِ الرسميةِ فقط.

وتدعى إحدى أولى أشكالِ هذا الفنّ في اليابان شيدة (shide) وهو عبارةٌ عن تصميمٍ ورقيٍ متعرجٍ يُستخدمُ في شعائرِ التطهّرِ من الذنوبِ والخطايا ويكونُ إشارةً للأماكنِ المقدسة عندما يعلق بحبل قشيّ، وعند وصله بعصا خشبية يستعمل كصولجان خلال شعائر التطهّر.

وفي أعراس شينتو (Shinto) التقليدية، تُزيّن زجاجات النبيذ اليابانية بفراشاتٍ ورقيةٍ تسمّى ميشو و أوشو Mecho&Ocho)) أي الأنثى والذكر. ويعتقد أن هذه الزينة الورقية هي أولى أشكال الأوريغامي الياباني والتي سبقت تصميم طائر الكركي الورقي.

لا توجدُ أدلةٌ كافيةٌ على استخدام الأوريغامي كفنّ ترفيهيٍ قبل عام 1600 م لكن بحلولِ القرن السابع عشر غزا اللعبُ بالأوريغامي الثقافةَ اليابانية لدرجةٍ بات يُزيَّن الكيمونو الياباني بطيورِ الكركي الورقية.

في أوروبا:

لطيَ الورقِ في أوروبا قصةٌ أخرى حيث يعتقدُ المؤرخّون أنَه تطوَر بشكلٍ مستقلٍ عن نظيرهِ الياباني. فنماذج الأوريغامي التي ظهرت في أوروبا ذاتُ نمطٍ تقاطعي (مربعات، مستطيلات، أقطار) بعكس تلك اليابانية الشعائرية التي يعود كلُّ مكانِ طيّةٍ فيها للذوق والتأويل الشخصي.

وانتقلت أسرارُ الورق وصناعته من الصين عام 750 م لتبدأ رحلتها إلى آسيا الوسطى وأوروبا من خلال الحروب والغزوات. وظهر في كتاب (على نطاق العالم) للكاتب جوهانس ساكروبوسكو عام 1490 صورتين لزورقين يُعتقد أنهما زورقين ورقيين حيث يبدو أحدهما كزورق أوريغامي كلاسيكي والذي يُستعمل أحياناً كقبعةٍ ورقيةٍ. تعتبرُ هذه الصورةُ أول دليلٍ عن الأوريغامي في أوروبا والتي لو افترضنا صحتها، وإن لم يقتنع المؤرخون بهذا الافتراض، تُبيّنُ تطّوّر هذا الفنّ بشكلٍ منفصلٍ عنه في اليابان وذلك لأنّ اليابان لم تملك حينها هذا النوع من التشكيلات الترفيهية.

يُذكر أن شهادات تعميد الأطفال Patenbriefs في ألمانيا وبعض أجزاء أوروبا كانت تُعطى مطوية بتقاطع 3*3 أو 4*4 وذلك في القرن السابع عشر والثامن عشر.

يظهر دليل نصيٌّ آخر عن الأوريغامي في أوروبا في صورةٍ في كتابٍ مصوّرٍ للكاتب ويليم بيلدرجيك عام 1806 تُظهِر صبيّاً يركب قارباً ورقياً يطفو في كوب شاي. حيث يعتقد أن يكون قارباً شراعياً صينياً تقليدياً Chinese Junk. لكن يعتقد المؤرخون أن القارب الشراعي الصيني الورقي لم يُخترع في الصين لأنه معمول من تقاطع 4*4 الذي كان منتشراً في أوروبا حينها بالإضافة أنه لا وجود لأي دليلٍ عن هذا القارب الورقي في تاريخ طيّ الورق في كلٍّ من الصين واليابان.

أحد أشهر نماذج الأوريغامي والتي لا غبار على أصلها الأوروبي هو أوريغامي "الطائر الصغير" Pajarita. فقد جمعَ مؤرخ الأوريغامي فيسينت بلاتسيوس مجموعةَ من الأدلة التي تؤكد نسب الطائرِ الورقي إلى إسبانيا والذي يختلف اسمه من بلد أوروبي إلى آخر.

وقد ظهر "الطائر الصغير" باجاريتا في العديد من اللوحات حول أوروبا. ففي لوحة "صانعو السعادة" للفنان الفرنسي كارلوس دوران عام 1870 تظهر سيدةُ ترتدي الأسود ممسكةَ بطائر باجاريتا الورقي.

وفي لوحة "الأميرة ماري ليتيزيا مورات و تمثال نابليون" عام 1806 يظهر طائر باجاريتا الورقي أيضاً.

الأوريغامي المعاصر:

من أوروبا، انطلق طيّ الورق إلى أمريكا الجنوبية ومن ثم إلى أمريكا الشمالية. وفي عام 1950 قام كلٌ من أريكا يوشيزانا وَ سام راندلِت بتطوير مجموعة قواعد ترميزية تصفُ كيفيةَ طيّ الورق لتشكيل النماذج الورقية والتي ما تزال تستخدم ليومنا هذا في تشكيل الأوريغامي.

لفنّ الأوريغامي علاقةٌ وطيدةٌ بالرياضيات نظراً لاتّباعه قواعد رياضيةٍ خاصةٍ به مما سمح بالاستفادة منه في مجالات التكنولوجيا والعلوم. للاطلاع على تطبيقاته المختلفة اقرأ هنا:

هنا

هنا

المصادر:

هنا

هنا