الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

الحميات الغذائية في وسائل الإعلام.. ماذا نصدق وماذا نكذب؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

أصبح انتشار المقالات الغذائية التي تتناول علاقة الحمياتِ بالأمراض وغيرها أمراً شائعاً في كلٍّ من الصحف العالمية والمدونات، وبسبب هذا الكم الهائل من المعلومات بات من الصعب على القارئ التمييزُ بين المقالات الموثوقة والدراسات الضعيفة و العناوين البراقة؛ ومن الجيد أن نعلم أنَّ الأبحاثَ الغذائيةَ أمرٌ معقدٌ غالباً، وما تقوم به وسائل الإعلام هو تبسيط نتائج هذه الأبحاث بشكلٍ مبالغٍ به، ففي كثيرٍ من الأحيان يقوم الكُتّاب بكتابة تقريرٍ أو مقالٍ عن دراسةٍ أوليةٍ لم يتم التأكد من صحتها بعد بل لا زالت بحاجةٍ للمزيد من الدراسات على نتائجها، أو يقومون بتسليط الضوء على دراسة ٍ مُناقضةٍ للتوصيات الصحية وذلك من أجل جذب الانتباه فقط أو الترويج لفكرةٍ خاطئةٍ.

وبعملية بحثٍ بسيطةٍ نجد أن:

1- البحث العلمي بشكلٍ عام والغذائي بشكلٍ خاص هو عمليةٌ مستمرةٌ وهنالك دائماً المزيد من الدراسات التي يتم نشرها شهرياً، ولأن التوصيات الغذائية dietary recommendations تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على الدراسات المعتمدة حسب كل فترةٍ من الزمن فإن هذه التوصيات قد تتغير مع ظهور دراساتٍ جديدةٍ تثبت وجوبَ تعديلها.

2- قد تظهر تناقضاتٌ بين الأوراق البحثية المنشورة، وهذا يعتبر جزءاً صحيّاً لا مفرّ منه ضمن العملية العلمية حيث إن سويّة العمل على الدراسات ليست واحدةً لذلك يوجد دراساتٌ موثوقةٌ أكثر من غيرها.

3- ليس من الضروري أن تكون الدراسات الجديدة موثوقةً أكثر من الدراسات القديمة.

4- ما هو مفقودٌ في وسائل الإعلام العالمية على نحوٍ متزايدٍ هو السياق، وكثيراً ما توفر الأخبار الغذائية المنشورة القليل من المعلومات عن مدى توافق النتائج المعلنة حديثاً مع الأدلة الموجودة حول الموضوع، مما قد يؤدي إلى المبالغة في أهمية هذه الدراسة الجديدة.

قد تبدو عملية البحث مربكةً للمتابع، خاصةً تناقض الدراسات بين الحين والآخر إلا أنه بإمكان المتابعين قراءة ما بين سطور نص البحث ومعرفة إن كان هذا البحث موثوقاً أم لا. ولتسهيل هذه العملية سنقدم لكم سبعة أسئلةٍ تعتبر بمثابة "رادار الموثوقية" للمساعدة في تحديد أيٍّ من المقالات الغذائية تستحق القراءة :

1- ما هي قوة الدليل في هذه الدراسة؟ من أهم الأشياء التي يجب معرفتها هي قوة الدليل الذي تعتمد عليه الدراسةُ وتوافُقه مع الأدلة المثبتة الموجودة مسبقاً.

2- هل النتائج المنشورة تعتمد على دراسةٍ واحدةٍ أم أكثر؟ حيث إن نتائج دراسةٍ واحدةٍ لا تكون كافيةً من أجل العمل على تغيير عادات الناس حسْب نتائجها، لذلك من الضروري معرفةُ مدى مُلاءَمةِ نتائجِ هذه الدراسة مع غيرها من الدراسات. هنالك بعض المقالات المنشورة التي قد تعرض نتائجَ دراساتٍ أُخرى لها علاقة بالمقالة المنشورة ولكن في بعض الأحيان عليك أن تقوم أنت بهذه العملية.

3- ما هو حجم العينات المدروسة؟ معرفة حجم العينات المدروسة في البحث أمرٌ هام، حيث إن الدراسات التي تتم على عيناتٍ كبيرةٍ تكون أكثر موثوقيةً من تلك التي تتم على عيناتٍ صغيرة.

4- ما هو نوع العينات المدروسة؟ هل تمت الدراسة على الحيوانات أم على البشر. حيث إن العديد من الدراسات الهامة تمت على الحيوانات لكن عندما يتعلق الأمر بمعرفة تأثير الطعام والمُغذيات في جسم الإنسان فإنه يجب أن تتم الدراسة على البشر .

5- هل تطرقت الدراسة لتأثير النظام المدروس على المراحل النهائية الحقيقية للمرض أم على علاماتٍ وعوارضَ أولية؟ فمثلاً: أمراض القلب وهشاشة العظام، وغيرها من الأمراض المزمنة، غالباً ما يستغرق تطورها وظهور نتائجها النهائية عدّة عقود، ولتجنب انتظار كل هذا الوقت قد يلجأ الباحثون أحياناً لدراسة التأثير على بعض العلامات الأولية لهذه الأمراض، مثل تضيق الشرايين أو كثافة العظام. ومع ذلك، فهذه العلامات لا تتطور دائماً إلى المرض.

6- كيفية تقييم تأثير نظامٍ غذائيٍّ معين؟ هناك بعض الدراسات تتبع منهجيةً أفضل من غيرها في تقييم الحمية الغذائية.

7- ما هو نوع الدراسة؟ حيث تتعدد أنواع الدراسات فمنها دراساتٌ عشوائيةٌ محكمةٌ randomized controlled trials ومنها دراساتُ التعرض وتتم على مجموعاتٍ من الأشخاص cohort studies أو دراساتٌ على الحيوانات animal studies أو دراساتٌ تحليلية (تحليل ميتا) meta-analyses أو دراسات حالة case control studies وكذلك يوجد دراساتُ مراجعةٍ منهجيةٍ systematic reviews.

ويلخص الدكتور Frank Hu المعيارَ الذي تُعتَبر على أساسه بعض الدراسات الغذائية أكثرَ موثوقيةً من غيرها كالتالي:

إن المعيار الذهبي لمعرفة وثوقية أي دراسة هو التجارب السريرية العشوائية randomized clinical trials لتداخلات الحمية الغذائية dietary interventions على المراحل الأخيرة لبعض الأمراض ومع ذلك فإن هذه التجاربَ غالباً ما تكون غير ممكنةٍ بسبب تكلفتها العالية وانخفاض الاستجابة على المدى الطويل وربما أحياناً بسبب بعض الأمور المحتملة المتعلقة بأخلاقيات التجارب والعمل المخبري ethical issues خاصةً عندما تكون على البشر.

وفي حال غياب الدليل السابق فإن التجربةَ ستكون أفضلَ عندما تتم وفقاً لدراساتٍ استطلاعيةٍ لمجموعاتٍ أكبرَ، حيث تتم متابعة المشاركين الذين يتمتعون بصحةٍ جيدةٍ على مدى سنينَ أو عقودٍ من أجل معرفة نتائج هذا المرض. وتُعتبر الدراسات التي تتم على الجماعات (دراسات التعرض Cohort studies) أفضلَ وأكثرَ موثوقيةً من الدراسات ذاتِ الأثر الرجعي retrospective case-control studies أو الدراسات المستعرضة cross-sectional studies والتي تتم بدراسة نتائجَ أو استبياناتٍ تمت سابقاً على مجموعةٍ من الأشخاص.

الدراسات التي تتم على الحيوانات تساعد في فَهْم آلية المرض لكن يمكن ألّا يتم تطبيقها على البشر. والتجارب التي تتضمن التدخل في النظام الغذائي لمراقبة العلامات البيولوجية مثل نسبة الغلوكوز في الدم والكوليسترول تُمكِّن من تسليط الضوء على الآليات البيولوجية والدليل من هذه الدراسات يعتبر مكملاً لتلك التي تتم على جماعاتٍ كبيرة.

وكخلاصةٍ لكل ما سبق فإن جمعَ الأدلة من دراساتٍ مختلفةٍ ومقارنتها وخاصةً دراسات الجماعات Cohort studies ودراسات التدخل intervention trials يمكن أن يفيد في وضع مبادئَ توجيهيةٍ وسياساتٍ غذائية dietary guidelines and policies، وللمساعدة في ذلك يمكن تلخيصُ الأدلةِ باستخدام دراساتٍ تحليلية (تحليل ميتا) meta-analyses أو مراجعاتٍ منهجيةٍ systematic reviews مع ملاحظة أنه عند إجراء تحليل ميتا يجب توخي الحذر وتفسيرُ النتائج في ضوء مجملِ الأدلة .

المصدر: هنا