الكيمياء والصيدلة > صيدلة

تصميمٌ جديدٌ لعلاج العدوى الفيروسية

استمع على ساوندكلاود 🎧

بدايةً يجب أن نتعرّف على طريقة دخول الفيروسات إلى الخلايا المضيفة. لكي تستطيع الفيروسات إصابة الخلايا يجب أن تكون مادتها الوراثية DNA أو RNA على تماسٍ مباشرٍ مع الخلية المضيفة، ولهذا تتطلب العدوى أن يدخل الفيروس خلال الغشاء الخلوي. تبقى بعض الفيروسات خارج الخلية، فهي ترتبط بالغشاء الخلوي في مواقع مستقبلاتٍ نوعية، وحينما يتم الارتباط يقوم الفيروس بحقن مادته الوراثية في الخلية. أو قد تكون الفيروسات الأخرى المغلّفة محاطةً بغشاءٍ مشابهٍ للغشاء الخلوي، فيقوم هذا الغشاء بالاندماج مع الغشاء الخلوي، وبذلك يدخل الفيروس إلى الخلية. في المثال الأول تدخل المادة الوراثية فقط إلى الخلية. أما في الحالة الثانية يدخل الفيروس بأكمله إلى الخلية باستثناء الغلاف الخارجي.

فيديو توضيحي:

هنا

تستطيع فيروسات إيبولا وزيكا وفيروس حمى الضنك أن تتفادى المناعةَ التي يمكن أن نكسبها من اللقاحات، وذلك عن طريق تغيير شكلها وخواصها. حيث أن سلالات هذه الفيروسات تكتسب طفراتٍ بشكلٍ سريعٍ، وبذلك فهي تحقّق مقاومةً للعلاج بالإضافة إلى مقاومتها للقاح، مما يصعّب مهمة الحد من انتشارها.

اكتشف فريقٌ من الباحثين من شركة IBM ومعهد الهندسة الحيوية والتكنولوجيا النانوية في سنغافورة أخيراً طريقةً للتقدم نحو تطوير علاجٍ لهذه الفيروسات. تُظهر دراستهم التي نُشرت في في مجلة Macromolecules أنه من الممكن علاج الفيروسات بطريقةٍ فريدةٍ وبديلةٍ "من الخارج إلى الداخل".

أوضح الدكتور Yi Yan Yang الباحث الرئيس في الدراسة ومدير مجموعة في IBM أن "الأمراض الفيروسية تشكّل أحد أكثر مسبّبات الوفيات والأمراض. لقد قمنا بتصنيع جزيئةٍ كبرويةٍ macromolecule مضادةٍ للفيروسات تستطيع أن توقفَ الفيروسات من خلال منعها من إصابة الخلايا، وذلك بغض النظر عن الطفرات، وهذه الجزيئة ليست سامةً للخلايا السليمة وهي آمنةٌ للاستخدام. يمثل هذا التقدم الواعد للبحث سنواتٍ من العمل المضني والتعاون بين مجتمع الباحثين العالمي."

قام الباحثون من خلال هذا المركب باستهداف البروتينات السكرية على الغلاف الخارجي للفيروس بدلاً من محاولة استهداف الDNA أو الRNA داخل الفيروس، اللذَين يتعرضان باستمرارٍ للتحوّل والطفرات. هذه البروتينات السكرية هي المسؤولة عن ارتباط الفيروس بسطح الخلايا ضمن الجسم، مما يمكّن الفيروس أن يسبّب لنا المرض. ولذلك قام العلماء بتصميم جزيئة كبروية، أو جزيئة هائلة الحجم تتضمن داخلها وُحَيْداتٍ أصغر، لتحارب الفيروسات بضربتين متتاليتين.

في البداية تستخدم الجزيئة الشحناتِ الكهربائيةَ لتجذب الفيروس إليها. وعندما تقترب بما فيه الكفاية تقوم بالالتصاق ببروتينات الفيروس السكرية (الغلاف الخارجي)، مانعةً بذلك الفيروس من الالتصاق بالخلايا السليمة والدخول إليها لإحداث العدوى. بعد أن تسبب الضرر للفيروس، تقوم الجزيئات بإطلاق الضربة الثانية وهي المانوزmannose ، وهو نوع من السكريات يقوم بالارتباط بالخلايا المناعية السليمة، مما يؤدي إلى جذب جيشٍ من المقاتلات إلى مكان العدوى حتى تقوم بالقضاء على الفيروس.

يقول الدكتور James Hedrick الباحث الرئيس في هذه الدراسة وهو عالم مواد عضوية متقدمة في مركز أبحاث IBM في كاليفورنيا: "إن تصميم أيّ علاجٍ مضادٍ للفيروسات هو مهمةٌ مثيرةٌ للرهبة تقريباً. لقد بدأنا بالتفكير في كيفية التقدم نحو الأمام وكيف نستطيع مهاجمة الفيروس بطريقةٍ مختلفةٍ جداً، فبدلاً من استهداف الDNA أو الRNA الخاص به قمنا بالبحث في مستوى البروتينات السكرية التي تغلّف الفيروس من الخارج، إنها تشبه العسل نوعاً ما فهي لزجةٌ وتلتصق بسهولة. ونحن الآن قادرون على استهداف الفيروس عبر هذه البروتينات السكرية قبل أن يستطيع الفيروس الهجوم على الخلايا، وإذا استطعنا حجب هذه المستقبلات سوف نكون قادرين على منع العدوى".

يؤمن الدكتور Hedrick أنه بالإمكان استخدام هذه الجزيئة السحرية في صناعة صابونٍ مضادٍ للفيروسات، ولن يكون مختلفاً كثيراً عن الصوابين التي نستخدمها عند مغادرة الحمام، باستثناء أنه بدلاً من اقتصار فائدته على مكافحة العدوى البسيطة، سيكون قادراً على قتل فيروس الزيكا أو حتى الهربس. إن تطبيقاتِ هذه الجزيئة العلاجية منتشرةٌ بشكلٍ واسعٍ، مما يجعلها هدفاً مغرياً للشركات الدوائية.

يجب أن ننوه هنا أن هذه الجزيئة يجب أن تتخطى عدةَ عقباتٍ إضافيةٍ قبل أن نستطيع استخدامها كمادةٍ مطهرةٍ أو كدواءٍ للعلاج أو الوقاية من الإنتانات الفيروسية عند المسافرين إلى مناطقَ موبوءةٍ أو عند المرضى المضعفين مناعياً.

يختم الدكتور Hedrick بقوله: "إن إنجاز اختراقاتٍ علميةٍ في مجال المضادات الفيروسية يزداد أهميةً يوماً بعد يوم وخصوصاً بالترافق مع الانتشارات الأخيرة لفيروسات مثل الزيكا والإيبولا. نحن متشوقون لرؤية الإمكانيات التي تمثّلها هذه المقاربة الجديدة، ونسعى للتعاون مع الجامعات والمنظمات الأخرى لاكتشاف استخدامات جديدة لهذه الجزيئة."

المصدر:

هنا