الفلسفة وعلم الاجتماع > أعلام ومفكرون

ماري وولستونكرافت Mary Wollstonecraft - الجزء الثاني نهجُها الفكريّ

استمع على ساوندكلاود 🎧

استوحتْ وولستونكرافت كتابَها الأول (أفكارٌ حول تعليمِ البنات، مع انعكاساتٍ على سلوكِ المرأةِ في أهمِّ واجباتِ الحياة)، مِن تجارِبها بصفتِها مربّيةً ومعلّمةً في مدرسةِ الفتيات، حين أدركتْ أنّ طالباتِها عَلَّمهُنّ أهلُهنَّ ومجتمعُهنَّ من قبْلُ أن يُثَبِّطْنَ قدراتِهنَّ الفكريةَ الطبيعية، وأنْ يقبلْنَ بدورهِنّ مواطناتٍ من الدرجةِ الثانية. كتبت ماري أيضًا الكثيرَ من الأعمالِ الخيالية؛ منها (Original Stories) و(Mary، A Fiction)، والكثيرَ من المقالاتِ في مجلةِ (Analytical Review) و(An Historical and Moral View of The French Revolution (1794))، منتقدةً العنفَ الذي لاحظتْه في فرنسا. أشهرُ أعمالِها؛ (الدفاعُ عن حقوقِ النساء)؛ كتبتْه خلالَ مدّةٍ قصيرةٍ بعدَ نشر (الدفاعُ عن حقوقِ الإنسان). وقد كتبتْ هذين الكتابين بشغفٍ وحِدّةٍ في التعبير، منتقدةً إخفاقَ المجتمعِ في زرعِ الفضيلةِ الحقيقيّةِ في الرجالِ والنساء.

في أعمالِها الأدبيةِ، كما في فلسفتِها، ناضلتْ ماري لكسرِ الأشكالِ التقليدية، ونقلِ أفكارِها إلى جمهورٍ مختلف. أكثرُ أعمالِها تجريبيةً هي (A Short Residence in Sweden)، وعملُها (Maria، or The Wrongs of Woman) الذي لم تتمكّن من إنهائِه. اعتمد (A Short Residence in Sweden) على سلسلةٍ من الرسائلِ الشخصيةِ إلى حبيبِها الخائن (Gilbert Imlay) خلالَ رحلةِ الأربعةِ أشهرٍ في إسكندنافيا، إذْ جمَعت السفرَ والسياسةَ بالانعكاساتِ الشخصيةِ الناتجةِ عن الحب.

إنّ (Maria، or The Wrongs of Woman) كان تتمّةً لـ(الدفاعُ عن حقوقِ النساء)، إذ استَخدمت الشكلَ الشعبيَّ للخيالِ من أجلِ وصفِ المجتمعِ الذي تُعنَّفُ فيه النساءُ ويُستقصَيْن من كلِّ الفئات.

(الدفاعُ عن حقوقِ النساء):

كُتب خلالَ ستةِ أسابيعَ في عامِ 1792، ونُشرت المقاطعُ الأولى قبلَ انتهاءِ العمل. انبثق هذا الكتابُ مِن عملِها الأقلَّ شيوعًا (الدفاعُ عن حقوقِ الإنسان)، وأَعلَنت من خلالِه قواعدَها الأساسية؛ أنّ كلَّ الناسِ (نساءً ورجالًا)، بوصْفِهم مخلوقاتٍ عقلانيةً؛ يمتلكون الكثيرَ من الحقوقِ الطبيعيةِ التي منحَها اللهُ لهم عند الولادة. وأصرّتْ على تساوي كلِّ الفئات، بغضِّ النظرِ عن الاختلافاتِ بين الجنسين؛ إذْ تقول: «إذا غابت المساواة، فلا مجتمع».

قالت ماري أيضًا إن الرجالَ لن يكونوا أحرارًا حقًّا حتى يُغيِّروا موقفَهم من النساء، ويَقْدُروهنّ على أساسِ الصبرِ والعدالةِ والحكمةِ والصدق، بدلًا من الجَمال الجسديِّ والخضوع. إنّ الحالةَ التي يكونُ فيها أحدُ عناصرِ المجتمعِ مسيطرًا، والعنصرُ الآخرُ خاضعًا؛ تُعيقُ تطوُّرَ الفضيلةِ عندَ كلِّ أعضاءِ ذلك المجتمع، سواءً كان ذلك في عدمِ التساوي بين الجنسين، أو بين فئاتِ المجتمع.

اعتَمد (الدفاعُ عن حقوقِ النساء) على هذه الأفكار، وتناولَ وضعَ النساءِ في القرنِ الثامنَ عشر. أكّدتْ ماري على أن حقوقَ الإنسانِ التي تُبنى على المنطق؛ لا تملِكُ قواعدَ جنسية، وتعتمدُ على التساوي بين الرجالِ والنساء، لكنها أدركتْ أيضًا أن الرجالَ والنساءَ ذَوُو طبيعةً مختلفة. درستْ ماري الأصولَ الاجتماعيةَ للتمييزِ بين الجنسين، واستنكرتْ نقصَ فرصِ التعليمِ للنساء. كما انتَقدت المفاهيمَ الخاطئةَ لدى المجتمع؛ التي تُعطي النساءِ قدْرَهنّ على أساسِ خضوعِهنّ وجمالِهنَّ الجسديِّ أكثرَ من فكرِهنَّ وشخصيّتِهنّ، وأشارت إلى أنّ العلاقاتِ بين الرجالِ والنساءِ قد تَلِفَتْ بسبب تمييزٍ صُنْعيٍّ بين الجنسين. تقومُ الفضيلةُ الصحيحةُ -عند النساءِ والرجال- على محاكاةِ صفاتِ الله، ويمكنُ زرعُها فقط من خلالِ تطويرِ القدراتِ الطبيعيةِ المشترَكةِ عند كِلَا الجنسين من دونِ عوائق، بما فيها الشغفُ والمنطق. ويمكنُ تحقيقُ العدالةِ السياسيةِ بالاعتمادِ فقط على فضيلةِ أفرادِ المجتمع، وفضيلةُ الفردِ يمكنُ أن تتقدّمَ فقط ضمنَ نظامٍ سياسيّ.

في عامِ 1798، بعدَ وفاتِها بمدةٍ قصيرة، نَشر زوجُ ماري (William Godwin) أعمالًا لها، تتضمّنُ: السيرةَ الذاتيةَ لـ(Godwin)، و(مذكِّراتُ كاتبة (الدفاعُ عن حقوقِ النساء)). ورغمَ أنه كُتب بصدقٍ وحُبّ، فإنّ انتقاداتِ المحافظين أَخذتْ عليها تفاصيلَ مشاكلِها بالعلاقاتِ الغراميةِ والصعوباتِ المادية؛ لتشويهِ سُمعةِ أعمالِها. وقد أَشارَ القليلُ من الكتّابِ المعاصرين إلى كتبِها، وبقيتْ أهميّةُ أفكارِها الرائعةِ مُعَتَّمًا عليها حتى وقتٍ طويل.

المصدر:

هنا