البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

هل تنام الأشجار في الليل؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

معظم الكائنات الحية تُكيِف سلوكها على إيقاع الليل والنهار، والنباتات أيضاً ليست استثناءً عن هذه القاعدة، فتتفتحُ الأزهار صباحاً، وتنغلق بعض أوراق الأشجار أثناء الليل.

لقد دَرَسَ الباحثون تعاقُب اللّيلِ والنهارِ عند النباتات منذ أمد بعيد، حيث لاحظ لينيوس (Linnaeus) أن الأزهار في الأقبية المظلمة قد تابعت تفتحها وانغلاقها، كما سجل داروين (Darwin) الحركة الليلية لأوراق وسيقان النباتات وسماها بـ "النوم". لكن حتى يومنا هذا لم تُجرَ مثل هذه الدراسات إلا على النباتات الصغيرة المزروعة في الأُصص، ولم يَعرف أحدٌ ما إذا كانت الأشجار تنام أيضاً !

قامت مجموعة من الباحثين من النمسا وفنلندا وهنغاريا مؤخراً بقياس حركة النوم لدى الأشجار مكتملة النمو باستخدام سلسلةٍ زمنيةٍ من المسح بالليزر وبمساعدة برامج حاسوبية معدة لهذا الغرض.

أظهرت النتائج أن كامل الشجرة تتدلى في الليل ويظهر ذلك بتغير وضعيات الأوراق والأغصان، لكن هذه التغييرات لا تكون كبيرةً جداً، فهي حوالي 10 سنتمتراتٍ فقط لشجرةٍ يصل طولها لـ 5 أمتار، لكنها كانت منهجيةً وجيدةً ضمن مجال دقة أدوات الدراسة.

من أجل استبعاد تأثيرات الأحوال الجوية والموقع على الأشجار، كُرّرَت التجربة مرتين مع شجرتين مختلفتين، الأولى في فنلندا والثانية في النمسا، وقد أجريت التجربتان في فترةٍ قريبةٍ من فترة الاعتدال الشمسي (تساوي طول الليل مع النهار) في ظل ظروفٍ هادئةٍ دون وجود الرياح أو تكاثف الندى. وقد أظهرت الأوراق والأغصان تدلّياً متدرجاً وصلت خلاله للحد الأدنى لتوضعها قبل ساعتين من شروق الشمس. وفي الصباح عادت الأشجار لوضعها الأصلي بغضون ساعاتٍ قليلة. ولم يكن واضحاً فيما إذا كانت قد "استيقظت" تحت تأثير أشعة الشمس أم بتأثير إيقاعها الداخلي الخاص.

أما على المستوى الجزيئي، فيقول أحد الباحثين المشاركين في الدراسة أن حركة النبات مرتبطةٌ بشكلٍ وثيقٍ ودائمٍ بالتوازن المائي في الخلايا الفردية والذي يتأثر بدوره بأشعة الضوء من خلال عملية التركيب الضوئي. لذلك تكون التغييرات في شكل النبات _حتى بالنسبة للأعشاب الصغيرة_ صعبة التوثيق باستخدام التصوير الفوتوغرافي العادي الذي يستخدم الضوء المرئي والذي يتعارض مع حركة النوم عند النبات. بينما في حالة المسح الليزري يكون إزعاج النبات في حدوده الدنيا حيث يستخدم هذا المسح الأشعة تحت الحمراء التي تنعكس على أوراق النبات دون أن تؤثر في نومه. ويتم إضاءة نقاطٍ فرديةٍ على النبات لأجزاءٍ من الثانية فقط، فتُمكن طريقة المسح الليزري من رسم خرائط للحجم الكامل للشجرة بشكلٍ تلقائيٍ خلال دقائق وبدقةٍ أقل من سنتيمترٍ واحد.

يعتقد الباحثون أن طريقة المسح الليزري سوف تسمح بتكوين مفهوم أعمق لأنماط النوم عند النباتات وتوسيع مجال القياس لدينا من النباتات الفردية لتشمل البساتين أو أجزاءَ من الغابات.

وستكون الخطوة القادمة جمع البيانات المُستحصلة من المسح الليزري للأشجار بشكلٍ متكررٍ ومقارنتها مع قياسات استخدام المياه بين الليل والنهار من قبل النبات، حيث ستتيح لنا هذه المقارنة فهمًا أفضل للاستخدام المائي اليومي للأشجار وتأثيره على المناخ المحلي أو الإقليمي.

أخيراً، وبعد هذه الدراسة، أصبح بإمكانك أن تقول لأشجار حديقتك "تصبحون على خير" قبل أن تنام ودون أن تتهم بالجنون.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا