الغذاء والتغذية > رحلة الغذاء

إنتاج الشوكولا.. رحلةٌ طويلةٌ من اللذّة!

كلّ قطعةِ شوكولا تناولتها قد بدأَت حياتها على شكل قرن على شجرة تُعرف بشجرة الكاكاو، يحتوي كل قرن منها على 35-40 حبةِ كاكاو مغطاةٍ بلبّ أبيضَ لزج. فتبدأ العملية بقطع القرون لإزالتها عن الأشجار، ومن ثمّ فتحها ونزع الحبوب منها وتركها لتتخمّرَ مدة أسبوع تقريباً، إذ تهدفُ عمليةُ التخمير إلى منعِ الحبوب من الإنبات في وقت لاحق، وتساهمُ في تطوير نكهة الحبوب التي ستكَوّن فيما بعد نكهة الشوكولا المميزة أيضًا، وبعد التخمير تجفَّف الحبوب في الشمس؛ إذ تفيدُ هذه العملية في تخفيضِ وزن حبوب الكاكاو وجعلها أقل حساسيةً للأعفان.

وبمجرد انتهاء عملية التجفيف تُنقل حبوب الكاكاو من المزرعة إلى المصنع، وتحمّص مدة 20-25 دقيقة على درجة حرارة 120-180 مْ، وذلك بهدف تحقيق عددٍ من الأهداف وهي:

- تطوير نكهة الشوكولا: إذ تنتُج عن تحميص حبوب الكاكاو سلسلةٌ من التفاعلات الكيميائية المعروفة باسم تفاعلات ميلارد Maillard reactions؛ والتي تتفاعل فيها الحموض الأمينية مع السكريات لتشكل مجموعة من المركبات الطيارة، كالألدهيدات ذات القدرة على تشكيل النكهة، والميلانوئيدينات ذات القدرة على تكوين النكهة والطعم، ويساهم التحميصُ أيضاً بالتخلص من الحموض الطيارة الزائدة الموجودة بشكل طبيعي في حبوب الكاكاو.

- قتل الجراثيم: نتيجةً لبقاء حبوب الكاكاو خارج القرون مدة طويلة وخاصّةً أثناء عمليات التخمير والتجفيف، فإنها تكونُ عرضةً للجراثيم الموجودة في الوسط المحيط، وهو أمرٌ يجب التخلص منه وذلك من خلال تعريض هذه الحبوب لدرجاتِ حرارةٍ مرتفعة أثناء التحميص.

يجب أن تبرّد الحبوب بعد عملية التحميص إلى الدرجة 30 مْ بأسرع ما يمكن، وذلك لوقف التفاعلات الحاصلة عند الحدّ المرغوب، إذ تصبح التغيرات والعمليات الكيميائية في حبوب الكاكاو بطيئة أو خامدة عند درجات الحرارة المنخفضة، وتُزَال بعدها قشور حبوب الكاكاو والتي تتّصف بكونها رقيقةً ومتفتّتةً ولا تساهم بأي نكهة في المنتج النهائي، وإنَّ محتواها المرتفع من الألياف سيصعّب من العمليات التصنيعية اللاحقة، فتُزَال عن طريق الغربلة التي تتبعها عملية طحن الحبوب، والتي تهدفُ إلى تحطيم الجدار الخلوي وتحرير زبدة الكاكاو، بالإضافة إلى الحصول على ما يُعرف بمجروش الكاكاو.

زبدة الكاكاو هي المادة الدسمة الأساسية في حبوب الكاكاو، وهي تشكّل ما يقارب 55% من مكونات الحبوب، وهي المسؤول الأساسي عن النكهة الغنية عند تصنيع الشوكولا، علماً أن العديد من المصنّعين يستخدمون أحياناً أنواعاً أخرى من المواد الدسمة نظراً لارتفاع أسعار زبدة الكاكاو، ولكنَّ الشوكولا الناتجة لن تكون بجودة تلك المصنّعة باستخدام زبدة الكاكاو.

ومثلما ذكرنا آنفاً، فإن طحن الحبوب سيساعد على تحرير زبدة الكاكاو من الخلايا، ولكن لا بدّ من تطبيق ضغط على مجروش الكاكاو بوساطة ضواغط هيدروليكية لتُستخلص المادة الدسمة وتُفصل عن باقي المكونات، ونظراً لارتفاع حرارة الحبوب بنتيجةِ عملية الطحن، فإنّ المادةَ الدسمةَ ستتحول إلى حالةٍ سائلة تجعل انسيابها من جهاز الضغط أمراً يسيراً، ثم تعود زبدة الكاكاو إلى الحالة الصلبة بعد أن تبرد ليميل لونها إلى الأصفر، ويصبح مكسرها قاسياً.

عملياً، لا تنسابُ المادةُ الدسمةُ كاملة من مجروش الكاكاو، بل يتبقّى جزء قليل منها مع باقي المكونات داخل جهاز الضغط، وتخرج هذه المكونات جميعهاً معاً على شكل أقراص بنيّة اللون تُطحن فيما بعد لتشكّل بودرة (مسحوق) الكاكاو التي تُباع في الأسواق وتستخدم لصناعة الحلويات والكعكات وغيرها. وإذا ما قرأت ما كُتب على العبوة، ستجد عبارةً توضّح نسبة الدسم المتبقّي في مسحوق الكاكاو والذي يمكن أن يكون إما 24% وإما 12%، إذ ينتج الرقم الأصغر في حال تعرّض المجروش لضغط أكبر.

بعد أن تحدّثنا عن حبوب الكاكاو وما تمرّ به من مراحل تحضيرية، آن الأوان لشرح خطوات صناعة الشوكولا والتي تبدأ بتحضير ما يُعرف بعجينة الشوكولا السائلة، وهي عبارة عن مزيجٍ ناعمٍ متجانسٍ يتألف من مسحوق الكاكاو، وزبدة الكاكاو، ومسحوق السكر الأبيض الناعم، وهي المكونات الأساسية التي نحصل منها على الشوكولا الداكنة Dark chocolate ذات الطعم المرّ، فعلى الرغم من وجود السكر في تركيبها لكنّه يكون غيرَ قادرٍ على تغطية الطعم المرّ القويّ لمسحوق الكاكاو، فتُخلط هذه المواد جيداً إلى أن تصبح أقطار حبيباتها أقلّ من 30 ميكرون، مما يكسبها ملمساً ناعماً على اللسان ويساعد على التخلص من الملمس الحبيبي غير المرغوب، ويُضاف إليها الليسيثين الذي يعمل على خفض لزوجة كتلة العجينة ويسهّل التعامل معها في الخطوات اللاحقة.

يمكن أن تُضاف إلى هذه المكونات الأساسية بعض المواد المُحسّنة للطعم والنكهة، والتي تشمل مسحوق الحليب ومسحوق القشدة (دسم الحليب)، واللذان نحصل بإضافتهما على الشوكولا بالحليب ذات اللون البنيّ الفاتح Milk chocolate. وتعتبر الفانيليا من أهم المواد المحسّنة التي تُضاف إلى الشوكولا بجميع أنواعها، فهي تساعدُ على إظهار النكهة الخاصة بالكاكاو أكثر في المنتج النهائي.

هل تتساءلون عن صناعة الشوكولا البيضاء White chocolate؟ حسناً، إنها المنتج الذي نحصل عليه بمزج وخلط زبدة الكاكاو مع مسحوق السكر الناعم ومسحوق الحليب، أي أنها تخلو من مسحوق الكاكاو البنيّ ولذلك يكون لونها مبيضّاً مائلاً للاصفرار. تصفّى عجينة الشوكولا ثم تُجرى عليها معاملةٌ حراريةٌ مضبوطة، و ترفعُ بواسطتها حرارة كتلة الشوكولا إلى درجة معينة ثم خفضها ورفعها ثانيةً بدقة، وتهدفُ هذه العملية إلى تأمين درجات الحرارة والشروط الضرورية لتشكيل النويّات البلورية الصحيحة في زبدة الكاكاو، والتي ستمنحُ هذه المادة الدسمة شكلها المستقر بعد أن تبرد وتتصلب، وهو أمرٌ ضروري جداً عند صب الشوكولا في القوالب ويساعدُ على إخراجها منها لاحقاً. أخيراً، تصبُّ الشوكولا في القوالب ومن ثمّ تبرّد مدة 20 دقيقة، وتدخل بعدها إلى قسم التعبئة والتغليف لإكسابها فترةَ صلاحيةٍ أطول من جهة، وإعطائها منظراً جذاباً من جهة أخرى.

المصادر:

1. هنا

2. Beckett S. T., 2008- The science of Chocolate, 2nd edition, RSC Publishing. هنا

3. د. الباقوني، محمد رياض - تقانة الحلوى والشوكولاتة (الجزء النظري) – 2007، منشورات جامعة البعث