التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

ملوك من الشرق الأدنى القديم... نبوخذنصر الثاني, الملك العادل وصانع العجائب

استمع على ساوندكلاود 🎧

هو ثاني وأشهر ملوك السلالة الكلدية التي حكمت بلاد بابل، إلا أنَّ عظمته وشهرته لم تأتِ من كونه فاتحاً كبيراً أو قائداً عسكرياً لا يشق له غبار وإنما بسبب منجزاته المدنية والفكرية، فقد تمكن نبوخذنصر الثاني خلال سنوات حكمه الثلاثة والأربعين من تحويل بابل المدينة الأهم في وادي الرافدين إلى أعظم مدينةٍ عرفها العالم القديم. وفي مقالنا هذا سنتحدث عن دوره الهام في التاريخ البشري، فتابعونا...

وُلد نبوخذنصر الثَّاني حوالي عام 634 ق.م وهوَ الابن البكر للملك نبوبولاسر (نبوبلاصر)، وأعظم الملوك الكلدانيين الّذين حكموا بابل، اشُتهر بحنكته العسكريّة وعظمة عاصمته.

يعود أولُ ذكرٍ له في النقوش المسماريِّة من عهد والده، حيث عمل في ترميم معبد الآله مردوخ وبعدها شارك والده في قيادة الجيش في معاركه الجبليَّة شمال آشور، ثم بدأ يقوم بالمهام العسكريَّة القياديَّة بنفسه حتى عام 606 – 605 ق.م -العام الذي مُني فيه البابليون بهزيمةٍ أمام المصريين- فأصبح نبوخذنصر قائداً عاماً للجيش وأبدى قدرةً استراتيجيّة حين دمَّر الجيش المصري في كركميش وحماه وأمَّن سيطرة البابليين على سوريا، توفّي والده نبوبولاسر في عام 605 ق.م واستلم الحكم بعد عودته إلى بابل بثلاثة أسابيع فقط، وهذا ما يعكس إحكام سيطرته على الإمبراطوريَّة وممَّا قاله أثناء التنصيب:

"يا مردوخ الرَّحيم، فليستمر منزلي الذي بنيتُه للأبد، فلأنعم بروعَتِه، وأبلغ موتي فيه، مُحاطاً بالذريّة الوافرة، وأتلقى فيه الجزايا والضرائب والهدايا من الملوك والبشر كافّة."

وفي الحملات التالية باتجاه فلسطين أخضع نبوخذنصر الثاني الولايات المحليّة واحتل أشكلون (عسقلان) بمساعدة المرتزقة اليونانيين في جيشه باسطاً سيطرة بابل على طرق التِّجارة من الخليج العربي وحتى البحر المتوسط، ما أثرى الخزينة البابلية وسمح له ببناء المدينة التي رغب أن تُصبح إحدى معجزات العالم.

تعرض جيش بابل في عام 600 ق.م لخسائر كبيرة ضد الجيش المصري وأدَّى ذلك لانشقاق الولايات في فلسطين عن الحكم البابلي، فقضى نبوخذنصر العامين التاليين يُعيد بناء جيشه ويعوَّض خسائره من العربات الحربيِّة، ثم بدأ حملته بالهجوم على القبائل العربيَّة في الأردن تحضيراً للحملة على فلسطين، ثم احتلَّ أورشليم في عام 597 ق.م وأرسل ملكها إلى بابل أسيراً، ثم هزم بعض الثورات في سوريا قبل أن يعود الى بابل ليدافع عنها من العيلاميين القادمين من فارس، ثم أحبط ثورة قام بها في بابل بعض قادة الجيش في عام 594 ق.م ليعود ويكمل غزواته في سوريا وفلسطين. حيث هاجم أورشليم مرة ثانية وحاصرها ثلاثة عشر عاماً منهياً الحصار في عام 587 ق.م بسبي المواطنين اليهود البارزين، ثم يُتبعه بسبي ثانٍ في عام 582 ق.م.

لم يكن نبوخذنصر الثاني قائداً عسكريَّاً بارعاً وحسب بل كان دبلوماسيَّاً فذاً، حيث أُرسل سفيراً إلى آسيا الصغرى لحل الخلافات بين الليديين و حلفائه الميديين.

وحين لم يكن نبوخذنصر على رأس جيشٍ فقد كان يعمل على إعادة بناء بابل حيث قام بتوسيع التحصينات والأسوار التي بناها أبوه حيث بلغ طولها حوالي 56 ميلاً وتحيط بمساحةٍ تقدر بـ 200 كيلومتر مربّع، وكانت متسعةً لدرجة إقامة سباقٍ للعربات أعلاها ونُقش على طوبِها "نبوخذنصر، ملك بابل" كما حفر خندقاً كبيراً حولها وعبَّد طريق المواكب بالحجارة الكلسيَّة وأعاد بناء المعابد وشقَّ القنوات، وأصبحت بابل مركزاً للفنون والعلوم كما حظيت النساء بحقوق أكثر بكثير مما حصلوا عليه في ذلك الوقت في أماكن أُخرى.

لم يُعرف الكثير عن عائلته إلّا زواجه بالأميرة أميتيس حفيدة ملك ميديا، والتي قيل أنه بنى من أجلها الحدائق المُعلَّقة بسبب شوقها لبلادها ومناخها المختلف عن بابل.

تختلف المصادر التاريخيَّة حول نوبةٍ من الجنون أصابته ودامت سبع سنين، فبعض المصادر تشير إلى أنَّ أحد خُلفائه هو من جُنّ، ولكن يتفق الجميع أنه توفي في بابل وهي في أوج عظمتها في عام 562 ق.م وخلفه ابنه أميل مردوخ ثم نبونيوس في عام 555 ق.م.

المصادر:

هنا

هنا