البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

التعاون البكتيري لمقاومة تأثير المضادات الحيويّة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

خَلُصَت دراسةٌ جديدةٌ أُجريت في معهدِ ماساتشوستس أن وجودَ سلالتين بكتيرتين تقاومُ كل منهما نوعاً معيناً من المضاداتِ الحيويةِ، يُمكِّنُ إحداهما من حمايةِ الأخرى، في حالِ وُجدَتا في وسطٍ يحتوي على مزيجٍ من هذه الأدوية.

تدُلُ النتائجُ أن علاقةَ التكافلِ، هي ظاهرةٌ تتبادلُ فيها أنواعٌ مختلفةٌ من الكائناتِ الحيةِ المنفعةَ مع بعضِها البعض، ويُمكنُ للبكتيريا أن تستفيدَ من هذهِ العلاقةِ، حيثُ تساعدُها في تشكيلِ ما يُعرفُ بالمجمعاتِ المُقاوِمةِ للأدويةِ، ويُعتَبرُ هذا أولَ دليلٍ تجريبيٍّ، يُثبِتُ وجودَ علاقةِ التكافلِ بين أنواعِ البكتيريا، عبرَ تبادلِ الحمايةِ بينَ هذهِ المجموعاتِ والتي تعتبرُ شائعةً أكثر في الحيواناتِ الكبيرةِ.

ركَّزَ الباحثون في بحثهم على سلالتين من E.coli، إحداهُما مقاومةٌ للمضادِ الحيوي (الأمبيسلين)، أما السلالةُ الثانيةُ، فتقاومُ دواءً آخرَ هو (الكلورمفنكول).

تحمي السلالاتُ البكتيرية نفسها عادةً من تأثيرِ المضادات الحيويةِ من خلالِ إنتاج أنزيماتٍ تقومُ بتفكيكِ هذهِ الأدويةِ، وكتأثيرٍ جانبيٍّ لهذه العمليةِ، تكونُ هذهِ السلالةُ قد قامت بحمايةِ أنواعِ الخلايا الأخرى، التي لا تقومُ بانتاجِ الأنزيماتِ من خلالِ إزالةِ هذهِ الأدويةِ من البيئةِ التي تعيشُ فيها.

ولقد وجدَ فريقُ البحثِ، أنَّهُ يُمكنُ لسلاتين مختلفتين من البكتيريا، أن تنجوَا في وسطٍ يُطبقُ عليهِ نوعانِ من المضاداتِ الحيويةِ، رغمَ أن كلٍ منهما تُقاوم نوعاً واحدأً فقط، ومن المُرجحِ العثورُ على مثلِ هذهِ الحالاتِ في البيئاتِ الطبيعيةِ، وخاصةً في التربةِ حيثُ تعيشُ مجموعاتٌ متنوعةً من السلالاتِ البكتيرية.

ويقولُ أحدُ المشاركينَ في البحثِ، أن كلاً من السلالتين تفرزُ نوعاً من السمومِ كمضاداتٍ حيويةٍ تُنتجها البكتيريا كجزءٍ من المنافسةِ، التي تحدثُ بين الكائناتِ الدقيقةِ في التربة، وهنا يمكننا ملاحظةُ حدوثِ تذبذبٍ في أعدادِ المُجمعاتِ البكتيريِّة التي تعتمدُ على المنافسةِ فيما بينها، بينما لا يحدثُ ذلك في المجمعاتِ التي تعتمدُ على تبادلِ المنفعةِ كما حدثَ في هذا البحث.

قامَ الباحثونَ طولَ فترةِ هذه التجريةِ بتخفيفِ تركيزِ التجمعِ الحيويِّ البكتيريِّ، عن طريقِ نقلِ ما نسبته 1% من هذا المُجمعِ إلى أنبوبِ اختبارِ جديدٍ، الذي يُضافُ إليهِ مضادٌ حيويُ جديد، ولكن وجد الباحثون أن الحجمَ الإجماليَّ للتجمع البكتيريِّ بقي ثابتاً، في حين كانَ هناكَ تقلباتٌ في النسبِ المئويةِ لكلِ سلالةٍ، والتي اختلفت إلى ما يقرب 1000% على مدى ثلاثةِ أيام.

فعلى سبيل المثالِ كانتِ السلالةُ المُقاوِمةُ للأمبسلين، أكثرَ وفرةً وغزارةً في بدايةِ التجربة، حيثُ أبطلت مفعولَ الأمبسلين في البيئةِ المحيطةِ، سامحةً بذلكَ للسلسلةِ المقاوِمةِ للكلورمفنكول بالبدءِ في النموِّ والتكاثر، لتبدأَ بدورِها بتفكيكِ الكلورمفنكول، في هذه الأثناء بدأتِ السلالةُ المقاومةُ للأمبسلين بالنموَّ والتوسعِ، وفي هذه النقطة بالذات، استطاعتِ السلالةُ الأخرى أن تَنمو وتتجاوزَ فعلياً السلالةَ المقاومةَ للأمبسيلين.

ويشرح Gore الباحثُ المشرفُ على البحثِ، أنَّ علاقةَ التكافلِ وتبادلِ المصالحِ بينَ السلالاتِ السابقةِ هي التي أدَّت إلى تلك التذبذباتِ الواضحةِ في الغزارةِ، فالسلالةُ التي تكونُ أكثرَ وفرةً في بداية الدورةِ تكونُ الأقلُ وفرةً في نهايتها، ويضيفُ أنَّهُ في حالةِ التركيزِ المنخفضِ للمضادات الحيويةِ، يمكنُ للتجمعاتِ البكتيريَّةِ أن تنجو وأن تستمرَ على هذا النمطِ المتذبذبِ إلى أجلٍ غير مسمى، ولكن عند زيادةِ التركيزِ سوفَ تؤدي هذه الذبذبةُ إلى زعزعةِ استقرار هذهِ التجمعاتِ و انهيارها في نهايةِ المطافِ.

ويتوقع Gore أنَّ تذبذباتٍ مماثلةٍ يمكنُ أن تصيبَ التجمعاتِ البكتيريَّةِ في البيئة الطبيعيةِ، كتجمعاتِ بكتيريا الأمعاءِ، والتي تتعرض للتخفيفِ في التركيزِ عندَ خروجِ بعضها من الجسمِ مع حركةِ الأمعاء، أوفي التربةِ عندما يتم غسلُ التربةِ من البكتيريا بعدَ هطولِ الأمطارِ.

ومازال البحثُ المخبريُّ مستمراً للتعرفِ على علاقةِ التكافلِ بين أنواع البكتيريا التي تعيشُ في أمعاء الدودة الأسطوانية C.elegans، التي تعيشُ حرةً في التربةِ، كما يدرسُ الباحثون أيضاً، كيفَ يُمكنِ لهذهِ الأنماطِ في تذبذباتِ التجمعاتِ الأحيائيةِ، أن تكون متزامنةً مع مناطقَ جغرافيةً واسعةً، وكيفَ يمكنُ للهجرةِ بين هذهِ التجمعاتِ أن تؤثرَ على هذا التزامنِ.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا