الكيمياء والصيدلة > كيمياء

مطاطٌ صناعيٌّ يَحمِل مُستقبَل العضلات الاصطناعية

استمع على ساوندكلاود 🎧

تحتاج عضلة الحيوان لأن تكون قويةً بشكلٍ كافٍ يُؤمِّن لها تَحمُّل الجُهد. كذلك يجب أن تكون مرنةً من حيث قابليتها للانحناء والتمدّد، وقادرةً على إصلاح نفسها بنفسها. وبهذا فقد كان التحدي بإيجاد بوليمر* لديه كل هذه الميزات.

المحاولات السابقة:

قام باحثون من جامعات ستانفورد ونانجينغ ويوسي ريفيرسايد وهارڤارد وكولورادو باصطناع مطاطٍ صناعيٍّ (elastomer) يُحاكي مواصفات العضلة الحيوانيّة، كما أنه ثابتٌ بدرجة حرارة الغرفة وغير حسّاس للماء. إلّا أن الجهود التي قام بها أولئك الباحثون لمحاكاةِ خواصّ العضلة البيولوجية عجزت عن أن تكونَ ذاتَ فائدةٍ تطبيقية. إذ غالباً ما توجَّب أن تكونَ الرّوابط المُستخدمة في صناعة هذا البوليمر قويةً بما يسمح لها أن تعمل كمُحرّكات، وضعيفةً في الوقت ذاته كي تكون قادرةً على القيام بعملية الإصلاح الذاتيّ العكوس. وتشمل العديد من هذه النماذج الروابط الهيدروجينية التي تُضيف مشكلةً أُخرى، كون هذه الرابطة حسّاسةً للماء.

المحاولة الجديدة:

اعتمد الباحث Lee وزملاؤه على التفاعلات بين معدن ولَجين**ligand بدلاً عن الروابط الهيدروجينية. يرتبط المركّب (2،6-pyridinedicarboxamide (pdca في طريقة Lee وزملائه بالحديد الثلاثي (Fe(III عن طريق المجموعات الوظيفية التالية التي يحملها الكاربوكساميد carboxamide: البيريديل نتروجين، والنتروجين، والأوكسجين. إذ يرتبطُ كلُّ جزيئين من pdca مع ذرّة حديدٍ ثلاثي عبر ستة مواقعٍ تسانُديّة. ينتج عن ذلك الارتباط التساندي موقعا روابط قويّة (عند البيريديل pyridyl)، وموقعا روابط متوسّطة (عند الأميدات amides)، وموقعا روابط ضعيفة (عند الكاربوكسيل carboxyl). تُظهر حسابات قوة الرابطة أن قوةَ الروابط القويّة الناتجة مماثلةٌ لقوة الروابط التَساهمية، بينما قوة الروابط الضعيفة Fe-O مماثلةٌ لقوة الروابط الهيدروجينية. تشكّل هذه البنية متعدّدة الروابط هيكلَ عملٍ ممتاز لاصطناع المطاط الصناعي (elastomer).

تم بعد ذلك ربط (2،6-pyridinedicarboxamide (pdca بالبوليمر (poly(dimethylsiloxane أو PDMS حيث ارتبط كل خيطين من هذا البوليمر سويةً بواسطة ذرة حديد ثلاثي تساندية. أثبتت حساباتُ القوة في البوليمر PDMS الناتج عن الارتباط أنه بوجود روابطَ ذات قوّةٍ مختلفةٍ بالقرب من بعضها تستطيع الروابط الأضعف أن تتحطّم تلقائياً وتتشكل من جديد، وهذا ما يُمَكِّن من الحصول على آلية التمدّد والإصلاح الذاتيّ. بالمقابل، يمكن لذرة الحديد الثلاثي أن تبقى بقرب المُركّب pdca بفضل المواقع التساندية الأقوى سامحةً بذلك بإعادة التشكيل السريع للبوليمر بعد تفكُّك بنْيَته.

-اختبار كفاءة البوليمر Fe-Hpdca-PDMS:

أظهر البوليمر Fe-Hpdca-PDMS قوَةً ميكانيكيّةً ملحوظةً وقابليةً للتمدّد والإصلاح. إذ أنه بعد أنْ تمدّد، تُرِكَ لمدة ساعة بحالة الراحة، ثم تمدّد مجدداً، حيث أظهر قدرةً على إصلاح نفسه بشكلٍ كاملٍ تقريباً والعودة لشكله الأصلي. وكذلك فإنه استطاع أيضاً إصلاح بنْيَته بعد تعرُّضِه لاختبار الإجهاد الدوري. إذ عندما تمَّ تعريض البوليمر للتمدّد لمدة ساعةٍ لم يتوقف عن الرجوع إلى حالته الأصلية لكنه احتاج مدةً زمنيةً أطول بقليل للعودة لحالته الأصلية. والجدير بالذكرأن الباحثين سجلوا أن هذا البوليمر يستطيع تحمُّل توترٍ أكثرَ بكثير قبل أن ينكسر من ذلك الذي تتحمَله البوليمرات المرتبطة جانباً PDMS النمطية والبوليمرات الأخرى المنشورة.

اخْتُبِرت أيضاً قدرةُ البوليمرعلى الإصلاح الذاتي عن طريق قصّه إلى قسمين ومن ثمّ تركه ليعيد تشكيل نفسه مجدداً. وجد الباحثون أن عمليةَ قَصِّ الغشاء البوليميري لم تكن ملحوظةً بعد أن تُرك ٤٨ ساعة بدرجة حرارة الغرفة ليستعيد بنيته. يستطيع البوليمير أن يُصلح نفسه تلقائياً بدرجة حرارة منخفضة -٢٠ مْ بدون إضافة أيّ مُحَفِّزاتٍ لعملية البلمرة وهذا غير مسبوقٍ بالنسبة لبوليمر يُعيد إصلاح نفسه بنفسه تلقائياً.

وقام لي Lee وزملاؤه باختبارٍ آخرَ بثَقب البوليمر بأداةٍ حادةٍ وحدّدوا موقع التلف ومن ثمَّ تركوه لمدة ٧٢ ساعة ليتعافى. أَتْبعوا ذلك بتطبيقِ إشارةٍ رباعيّة الموجة عالية التوتّر عن طريق استخدام أقطابٍ ذات جهدٍ عالٍ بما يكفي لبدء البوليمر بالتشوّه. ومع ذلك، لم يُظهر البوليمر رغم الضرر أي عزل كهربائي حتى في مكان الثقب.

وبذلك يُعتبر البوليمر (Fe-Hpdca-PDMS) نموذجاً واعداً للعضلة الصناعية بفضل الخواصّ التي يتحلّى بها والتي تتجلّى بقدرته على التمدد والإنثناء والإصلاح الذاتي وامتلاكه لقوة عزل كهربائية عالية.

الدراسات المستقبليّة:

أشار الباحثون إلى إمكانية التحكّم بالبوليمر في المستقبل عن طريق تغيير نسبة اللَجين إلى المعدن، وكذلك بواسطة إضافة مجموعاتٍ وظيفيَةٍ إلى المركب.

*البوليمر هو مادة تتألف بنيتها الجزيئية بمعظمها أو كلها من وحدات متماثلة مرتبطة مع بعضها.

**اللَجين ligand : جمعها اللجائن، عبارة عن ذرة أو أيون أو جزيء مرتبط بذرة الفلز المركزية في المعقدات التساندية، تتشكل الرابطة بين الفلز واللجين عادةً بأن يقوم اللجين بمنح زوجٍ أو أكثر من الإلكترونات إلى ذرة الفلز، أي تنشأ رابطة تساندية بين اللجين والفلز.

المصدر:

هنا