العمارة والتشييد > التصميم المعماري

جدار Hadrian حامي الرُّومان من الخطر الآتي من الشَّمال

استمع على ساوندكلاود 🎧

أسَّس الرُّومان امبراطوريَّةً عظمى انتشرت في أرجاء العالم القديم وسعوا لحمايتها ممَّا يهدِّدها، كان يأتي التهديد الأكبر في الإقليم البريطاني من البرابرة في الشَّمال لذا شيَّدوا جداراً على حدود الإقليم ليحميهم من القبائل المنتشرة وراء هذا السُّور لنتعرَّف على هذا السُّر سويَّاً.

أمر الإمبراطور الرُّوماني Claudius في العام 43 م قوَّةً مؤلَّفةً من 40000 مقاتل من الجيش بعبور قناة المانش(القناة الإنكليزيَّة) وغزو بريطانيا، لتُهزَمَ الخصوم بسرعة وتُدمج مناطق قبائل Celtic الإنكليزيَّة بالإمبراطوريَّة الرُّومانية مشكِّلةً اقليماً جديداً. ولضمان السَّيطرة على الأراضي التي احتلَّها الرُّومان في انكلترا قاموا ببناء حصونٍ دفاعيَّة قويَّة حول البلاد، أكثرها شهرةً في الشَّمال، وبعدها قرَّروا بناء جدار من السَّاحل للسَّاحل ليحموا انكلترا الرُّومانية من قبائل البرابرة التي عاشت في اسكتلندا شمالاً.

بُني جدار Hadrian بأوامر من الإمبراطور الرُّوماني Hadrian بعد زيارته لبريطانيا عام 122م. حيث يُؤمِّن الجدار الحماية للحدود الشَّمالية الغربيَّة للإمبراطورية الرُّومانية ويمتد لمسافة 73 ميل(80 ميل روماني)117 كم من الشَّرق للغرب ممتدَّاً من Wallsend على نهر Tyne شرقاً إلى Bowness-on-Solway غرباً.

وظيفة الجدار الأساسيَّة السَّيطرة على الحدود بطريقةٍ مشابهةٍ للحواجز الحدوديَّة الحديثة حيث يطبِّق الجيش القوانين المفروضة على الرَّاغبين بالدُّخول للإمبراطوريَّة، فلا يُسمح للمسافرين بالدُّخول إلَّا من نقاطٍ محدَّدة مجرَّدين من أسلحتهم وتحت الحراسة العسكريَّة التي ترافقهم الى أسواقٍ معيَّنة أو مناطق أُخرى، بالإضافة لمنع حدوث الغارات التي كانت تحصل عادةً على طول الحدود.

كانت عمليَّة بناء جدار Hadrian عمليَّةً معقدَّةً تضمَّنت عدَّة تغييرات على خطَّة البناء الرَّئيسيَّة. لقد كان المخطَّط الأوَّل مؤلَّفاً من قسمين، الأوَّل لجدارٍ حجريِّ بعرض 3 م، من نهر Tyne شرقاً نحو نهر Irthing بطول 72كم، والثَّاني لجدارٍ مبنيٍّ من التُّراب (Turf) بعرض 6م ويمتدُّ لل45 كم الغربيَّة من نهر Irthing إلى Solway Estuary.

هناك عدَّة تفسيرات لبناء قسمٍ من الجدار من التُّراب (Turf) كانتشاره بكثرة في هذه المنطقة وندرة الحجارة. تفسيرٌ آخر يقول بأنَّ هذا القسم بُني أوَّلاً بسبب التهديدات من القبائل في الشَّمال الغربي، حيث تمتاز هذه الطَّريقة بالسُّرعة في البناء والفعاليَّة في ردِّ الهجمات.

استغلَّ البنَّاؤون الخصائص الطبوغرافيَّة والتَّضاريس بشكل جيِّد وبخاصَّة القسم المركزي بطول حوالي 20 كم حيث بُني بمحاذاة الجروف، أمَّا شرقاً فقد توضَّع الجدار على سلسلة طويلة من التِّلال باتجاه Newcastle بينما توضَّع في الغرب على سلسلة تلال أصغر، حيث حرصوا على تأمين مجالٍ كبيرٍ للرُّؤية باتِّجاه الشَّمال. بُني الجدار بارتفاع حوالي 4.4م، وهناك بعض الأدِّلة على وجود ممشى أعلى الجدار.

كما يوجد حاجزٌ ترابيُّ شماليَّ الجدار بعرض 6م توضَّعت عليه قطعٌ خشبيَّةٌ حادَّةُ الأطراف شكَّلت عائقاً لتقدُّم القوَّات المهاجمة، أمَّا أمام هذا الحاجز فيوجد خندقٌ على طول الجدار، باستثناء أماكن الجروف الجبليَّة حيث يصبح الخندق غير ضروري. حُفرَ الخندق على الأرجح بعرض 9 م (30 قدم رومانية) حيث نقلت المواد والأتربة المستخرجة منه ووضعت خارج الخندق من جهة الَّشمال مشكِّلةً تلاً منخفضاً.

تمَّ فتح بوابة كل 1 ميل على طول الجدار، كلٌّ منها محروس بقلعة صغيرة سميَّتmilecastle ، حيث بُنيت هذه القلاع من الحجر في القسم الحجري من الجدار، ومن الخشب في القسم المبني من التُّراب. تدلُّ معظم التنقيبات على أنَّ هذه القلاع كانت تتألف من مبنى واحد، يرجَّح أنَّه ثكنة تتسع ل 8 جنود، بينما ظهرت اثنتان منها بنموذج مزدوج يضمُّ حامية أكبر، كما اكتشف في بعضها وجود مداخن وفرن، واحتوت إحداها على درجٍ يؤدِّي إلى القمَّة.

وُضع بين كلّ قلعتين برجين صغيرين من الحجر، حيث كشفت التنقيبات عن منصَّة في الطابق الأرضي لكل برج، يُعتقد أنَّها قاعدة لدرج أو لسلُّم. الغاية من توضُّع الجنود في هذه الأبراج هو المراقبة والرَّصد، ولذلك يفترض وجود برج مشابه من الجهة الشَّماليَّة لكل قلعة.

المخطَّط الثاني

لم يكتمل المخطَّط الأوَّل للجدار قبل إجراء تغييراتٍ كبيرة عليه، حيث توضَّعت حصونٌ كبرى كل 11.5 كم (8.3 ميل) على طول الجدار ومنفتحة على طرفيه، فكان لكلِّ حصنٍ 3 بوابات من الجهة الشَّماليَّة من الحدود وواحدة من الجنوب. الهدف من هذا التَّعديل هو تحسين قدرة الجيش على الحركة على طول منطقة الحدود. لم يُتَّخذ هذا القرار باستخفاف لأنَّه ينطوي على هدم وإزالة أجزاء من الجدار والأبراج وقلاع milecastle المبنيَّة مسبقاً، بالإضافة لملء الخندق الممتد أمامها. بينما هجرت عدَّة حصون أُخرى في شمال بريطانيا لتوفير القوات للحصون الجديدة.

ضمَّت هذه الحصون العديد من ثكنات الجنود بالإضافة لمبنى القيادة ومنزلٍ كبير للقائد وعائلته ومحلَّات وورش ومتاجر وصوامع للحبوب ومشفى في بعض الأحيان. كما كان الحصن محاطاً بجدارٍ حجريٍّ ومتراسٍ من التُّراب بالإضافة لخندقين أو أكثر.

تغيرٌ ثاني تمَّ في نفس الفترة وهو بناء متاريسٍ كبيرة أُطلق عليها اسم Venerable Bede أو ما يعرف بالسِّتارة جنوب الجدار من Newcastle شرقاً وصولاً لـ Bowness-on-Solway، تألَّفت من خندقٍ مركزيٍّ مع هضبتين على جانبيه مشكِّلةً عقبةً كبيرةً، وربما تعتبر النَّظير الرُّوماني للاستخدام الحالي للأسلاك الشَّائكة خلف منطقة الحدود.

أصبح عبور الحدود بعد هذا التَّعديل محصوراً بنقاط العبور الموجودة في هذه الحصون مارَّاً بطريقٍ مرتفعة فوق الخندق تعلوها البوابة. كما تم تخفيض عدد نقاط العبور من 80 إلى 16.

كما أُحدثت تغييرات من نوع آخر على الجدار، حيث قلِّص عرضه من 3 م (10 اقدام) إلى 1.8 م (6 اقدام)، مع انخفاض ملحوظ في جودة وحرفيَّة البناء بالمقارنة مع الجزء المبني سابقاً.

من الصَّعب معرفة توقيت الانتهاء من بناء الجدار، لكن يوجد نقش يشير أنَّ أحد الحصون على الجدار لم ينتهي البناء منه حتى عام 128م. كما بُدأ قبل نهاية حكم Hadrian تحويل الجدار التُّرابي (طوله 45 كم) إلى جدارٍ حجريٍّ ولكن لم ينفذ منه سوى 8 كم.

المنشآت العسكريَّة في محيط الجدار

استمرَّ البناء غرب Bowness-on-Solway بنفس نمط الأبراج والقلاع الصغيرة milecastles لكن بدون الحاجز الأمامي لمسافة 40 كم على طول السَّاحل. كما تمَّ لاحقاً بناءُ حصنٍ في South Shields يطلُّ على مصبّ نهر Tyne، بالإضافة لثلاثة حصون أخرى شمال الجدار. أمَّا جنوب الجدار فيوجد شبكة من الحصون التي تنتشر حتى الحدود الجنوبيَّة لـ Pennines حيث تتمركز قواعد فيلق York وChester.

المدنيين على جدار Hadrian

تشكَّلت عدَّة تجمُّعات سكنيَّة خارج الحصون وعلى طول الجدار، حيث أثبت المسح الجيولوجي للأرض أنَّ العديد من التجمُّعات المدنيَّة كانت أكبر من الحصون المرتبطة بها إلا أنَّ المباني المكتشفة بهذه الطريقة بقيت غير مؤرَّخة.

انتشرت هذه المباني على امتداد الحصون الدِّفاعيَّة وبجانب الطُّرقات المتَّجهة بعيداً عنها. بعض التَّجمعات كانت محميَّة بخنادق وحواجز ترابيَّة إلا أنَّه من غير الواضح إذا ما كانت لأغراض دفاعيَّة أم لا. كما يُعتقد أنَّ زوجات الجنود وعائلاتهم كانت ضمن هذه التَّجمعات بدلاً من الإقامة في الحصون، حيث ضمَّت التَّجمعات بالإضافة للمنازل الخَاصَّة محلَّاتٍ وورش ومعابد ونزل وحانات.

توضَّعت مقابر الجنود والمدنيين خلف الحصون والمناطق السَّكنية، مع العلم أنَّ عادة الدَّفن لم تبدأ بالانتشار حتَّى القرن الثَّالث، حيث كان النَّمط السَّائد إحراق جثث الموتى.

متى هُجرَ الجدار

بعد حوالي 20 عاماً من بناء الجدار، أمر الإمبراطور Antoninus Pius الذي خلف الإمبراطور Hadrian بالتَّقدُّم شمالاً ضمن الأراضي الاسكتلنديَّة وببناء سورٍ آخر على الحدود الجديدة، حيث شُيِّد من التُّراب مع أساسٍ حجريِّ وخندقٍ إلى الشَّمال منه. تمَّ التَّخلي عنه والعودة لجدار Hadrian في حوال العام 160م.

عانت الامبراطوريَّة الرُّومانيَّة في القرن الرَّابع من عدم الاستقرار ممَّا أدَّى الى استقلال بريطانيا عن الإدارة المركزيَّة الرُّومانيَّة. وفي القرنين الخامس والسَّادس قام عددٌ من الأمراء المحليّين باحتلال الحصون القائمة على الجدار سعياً منهم للحفاظ على الأمن والاستقرار، ليُهجر السُّور مع مرور الوقت وتستخدم حجارته لبناء منشآتٍ أُخرى.

يعتبر الجدار اليوم من المزارات السياحيَّة الهامَّة في بريطانيا نظراً للطبيعة الجميلة التي تتميَّز بها المنطقة وغناها بالمباني الأثريَّة. حيث حازت منطقة الجدار على اهتمام السلطات المختصَّة التي أوجدت فيها سبلاً مختلفة للترفيه مع توفير المواصلات من مختلف المناطق.

*موقع مختص بتاريخ الجداروطرق الوصول له والخدمات المقدمة-الرحلات السياحية

هنا

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا