الفنون البصرية > فن المسرح

المسرح الإنكليزي، مفكرّو الجامعة وكريستوفر مارلو

استمع على ساوندكلاود 🎧

خلال ثمانينات القرن السادس عشر اشتُهر عدد من الكُتّاب المسرحيين من المهتمين بالكتابة للمسرح الشعبي، أطلق عليهم فيما بعد اسم "مفكّرو الجامعة" The University Wits، وتضمّنت هذه المجموعة كلاً من توماس كيد Thomas Kyd، كريستوفر مارلو Christopher Marlow، جون ليلي John Lyly، وروبرت غرين Robert Greene، وهم من خريجي جامعات كامبريدج وأكسفورد (عدا توماس كيد)، مما يفسر سبب تسميتهم بهذا الاسم.

يُعتبر توماس كيد واحداً من أهم مفكري الجامعة لكن لا يُعرف عن حياته الخاصة الكثير حيث ظل يلفها الغموض حتى العقد الأخير من القرن الثامن عشر. وُلد في لندن وتبنّى مهنةً أدبيةً وأصبح سكرتيراً لأحد النبلاء. كان على معرفةٍ بمارلو وتأثر بروحه المتمردة حيث ظهر ذلك في بعض كتاباته التي أدت إلى سجنه وتعذيبه. قام بكتابة مسرحية "المأساة الإسبانية" The Spanish Tragedy والتي نالت الشهرة الأوسع في القرن السادس عشر، ومهّدت الطريق أمام ظهور مايسمى بالتراجيديا الانتقامية Revenge Tragedy. فقد ألّف حبكةً محكمةً للقصة تتضمن جريمةً وموتاً مفاجئاً مما جعل من المسرحية مادةً مثيرةً للاهتمام.

اهتم جون ليلي بدوره بالكوميديا الريفيّة بشكل أساسي والتي استخدم فيها الأساطير التي تلعب شخصيات انكليزية دوراً فيها، ومن أهم أعماله "إنديميون" Endimion، و"تحوّل الحب" Love’s Metamorphosis. اهتم روبرت غرين أيضاً بالكوميديا الريفيّة والعاطفية، إلا أنه كان يجمع العديد من الجوانب والأجزاء في عملٍ مسرحيٍ واحدٍ. من أعماله مسرحية جيمس الرابع James IV.

كريستوفر مارلو:

درس مارلو في جامعة كامبريدج، وكان له دورٌ مهمٌ في تطور المسرحية التاريخية مثل مسرحية "إدوارد الثاني" Edward II. ويُعدّ مارلو أهمّ كاتبٍ مسرحيٍ قبل شكسبير، ولد في كانتربيري وتعلم هناك وفي كامبريدج، وتبنى الأدب كمهنة وأصبح عقله المشكك وانغماسه في الملذات مدعاةً لاتهامه بالإلحاد والفجور.

تندرج كافة مسرحيات مارلو الناجحة ضمن التراجيديا، وكان له ككاتبٍ مسرحي نقاطٌ ضعفٍ عدة مثل افتقار الحبكة في أعماله للبنية القوية وإلى بساطة رسمه للشخصيات حيث تنقصها الإنسانية الدافئة الموجودة في أعمال شكسبير. فعلى سبيل المثال، تدور كل مسرحياته عدا مسرحية إدوارد الثاني حول شخصية واحدة مرسومة بخطوط عريضة لا تمتلك تعقيداً أو ذكاءً في تقدمها وإنما هي تجسيدٌ لفكرةٍ واحدة. ولنتمكن من تقدير مارلو بشكل صحيح علينا أن نضع جانباً الأفكار التقليدية للمسرح وأن ننظر لمسرحياته على أنها تمثيل لرؤية شعرية تعكس السعي وراء السلطة والقوة كما كان رائجاً في عصر النهضة إضافةً للسعي وراء الجمال. ففي مسرحية "يهودي مالطا" The Jew of Malta يبحث باراباس عن كنوز لا متناهية في غرفة صغيرة، وفي "تامبرلين العظيم" Tamburlaine the Great يسعى الكاهن للحصول على تاج دنيوي، أما "الدكتور فاوستس" Doctor Faustus فهدفه يتجاوز حدود المعرفة البشرية. كل واحدة من أعمال مارلو تجسد رؤيته الخاصة والتي تمنح أعماله وحدة فنية وشعرية.

كان مارلو الكاتب المسرحي ذي الأسلوب الشعري الأفضل من بين مفكري الجامعة، والذي استطاع بتمكنّه من الشعر غير المقفى Blank Verse من منح المسرح صوته المميز على مدى ما يقارب الخمسين عاماً التالية.

الجوانب المشتركة لمسرحيات مفكري الجامعة:

قدم هؤلاء الشباب الكثير لتأسيس المدرسة الإليزابيثية للمسرح، كانوا على معرفة ببعضهم البعض إلى حدٍ ما وعاش معظمهم حياةً غير اعتيادية وعاصفة. يقول إدوارد ألبرت في كتابه "تاريخ الأدب الإنكليزي" 1979 أن لمسرحيات مفكري الجامعة خصائص عدة مشتركة مثل اهتمامها بالمواضيع البطولية وبذلك نجدها تركز على حياة الأبطال مثل Tamburlaine، ولأن المواضيع البطولية بحاجة لكتابةٍ خاصةٍ نجد في مسرحياتهم تنوعاً كبيراً وأوصافاً باهرةً، وخطباً طويلةً وقدرةً على التعامل مع المشاعر والأحداث العنيفة.

أعدّت مواهب مفكرو الجامعة المتنوعة المسرحَ للنهضة المسرحية في انكلترا في العصر الإليزابيثي كما مهدت الطريق لشكسبير والذي سنتناول الحديث عنه في مقالنا القادم.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

ألبرت، إدوارد. "تاريخ الأدب الإنكليزي". 1979