التاريخ وعلم الآثار > الحضارة السورية

مدينة حلب القديمة... خانات المدينة دليلٌ قويٌّ على أهميتِها الاقتصادية

استمع على ساوندكلاود 🎧

فإذا ذُكرت الخانات قالوا خانات حلب...

ساهمَت الخانات سابقاً بشكلٍ كبيرٍ في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للشعوب، وكانت ملتقىً ومجمّعاً للتجار الذين يتبادلون السلع ويعقدون الصفقات ويستفيد بعضهم من تجارب بعضهم الآخر وخبراتهم. وفي مقالنا هذا سنتعرف على أهم وأشهر خانات حلب فتابعونا...

عُرفت الخانات منذ العصورِ الإسلاميةِ الأولى وكانت لها أهمية كبيرة في العمارة الإسلامية، والخانات هي الأبنيةُ المخصصةُ لإقامةِ المسافرين والقوافلَ التجارية. ولعلَّ أقدم خان انشىء في العهد الإسلامي هو الخان الذي بناه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك عام 109 ه / 728 م على مقربةٍ من قصر الحير الغربي في البادية السورية.

يتألفُ التخطيط المعماري للخان العربي الإسلامي من صحنٍ واسعٍ تتوسطه بركةُ ماءٍ كبيرة وله مدخلٌ قوسيٌّ عالٍ، بابه خشبيٌّ ضخمٌ مصفحٌ بالحديد أو النحاس. وتوجد حول الباحة المستودعات والحوانيت التي تُستخدم لايداع البضائع، وعادةً ما توجد قاعةٌ ضخمةٌ على مدخل الخان واجهتها مزينة ومزخرفة بزخارف بديعة. أما في الطابق العلوي فتوجد غرف للسكن تقوم فوق المستودعات، كما ضمَّت بعض الخانات مسجداً صغيراً.

ازدهرت الخانات التي كانت تسمى أيضاً بـ "الوكالات" في العهد المملوكي، لكن العناية الخاصة بالخانات والأسواق ازدادت في العهد العثماني. ونظراً لازديادِ أهمية حلب التجارية فقد كثرَت فيها الخانات، وقد توضعَت داخل وقرب الأسواق القديمة وأشهرها هي:

-خان الصابون: يقعُ داخل سوقِ المدينة بالقرب من سوق الصابون ولذلك سميَّ بهذا الاسم، انشأه نائب السلطان المملوكي الأمير ازدمر بن مزيد في أواخر القرن التاسع الهجري / الخامس عشر ميلادي. يمتازُ المبنى بواجهته الغنية بزخارفَ هندسية ونباتية بديعة تدلُّ على دقةِ المعمار الحلبي وحسه المرهف في البناء، وتعدُّ هذه الواجهة من أجمل ما تركه الطراز المملوكي في عمارة حلب.

الشكل (1): خان الصابون

-خان الجمرك (الكمرك): يقع في منطقةِ الأسواق الرئيسية في المدينة، بناهُ الوالي العثماني محمد باشا عام 982ه /1574م، وهو من أكبر خانات حلب، أهم ما يميز البناء زخارف مدخله الرائعة بنقوشها من الخارج وبضفائر أعمدة الشبابيك المطلة على الداخل .

-خان الوزير: يقعُ بين قلعةِ حلب والجامع الكبير، بُني في العهد العثماني عام 1096ه/1683م. يعدُ من أشهر خانات حلب، يمتازُ بواجهتِه الداخلية المزينة والخارجية ذات اللونين الأسود والأبيض، وبوابتِه الضخمة الجميلة ونوافذه الغنيِّة بالزخارف، وهو نموذجٌ رائعٌ لخانات حلب له صحنٌ سماويٌّ واسعٌ تحيط به المستودعات والمخازن التجارية، وفي الطابق العلوي رواقٌ طويلٌ يطلُّ على الصحن بواسطة سلسلة من القناطر، وفيه تقع غرف النوم.

الشكل (2): خان الوزير

-خان القصابية: يقعُ في نهاية سوق القصابية وهو جزءٌ من مجموعة أسواق المدينة المسقوفة. بناهُ نائب قلعة حلب الأمير ابرك الأشرفي في عهد سلطان المماليك قانصوه الغوري عام 916 /1510م. له واجهةٌ مزخرفةٌ وبابٌ معدنيٌّ منقوشٌ عليه كتابات تُؤرخ بناءه.

-خان القاضي: وهو من أقدم خانات حلب، يقعُ في محلةِ باب قنسرين قُربَ البيمارستان الأرغوني انشأه قاضي حلب كمال الدين المعري عام 854 ه / 1450 م.

-خان خاير بك: يقعُ في محلةِ سويقة علي بناهُ الأمير خاير بك في العهد المملوكي عام 920 ه / 1514 م ويُعدُّ من أحسن خانات حلب بتخطيطه وهندسته.

الشكل (3): خان خاير بك

-خان أوج خان (العطشان): يقعُ في سوق النحاسين مقابل باب النصر خارج أسوار المدينة، وكلمة أوج خان تعني ثلاثة خانات، بناهُ نائب السلطان المملوكي خاير بك وجُدِد بنهاية عصر المماليك أيام السلطان قانصوه الغوري، وأهم ما يميزه بوابتَه الغنية بالنقوش المملوكية.

كما يوجدُ في حلب خاناتٌ أخرى منها خان النحاسين، خان البرغل، خان الحاج موسى، خان قرتباي، خان الطاف، خان التتن، خان البندقة، خان العلبية، خان الفرايين، خان النقر، خان الشونة، وغيرها...

الشكل (4): خان الحاج موسى

الشكل (5): خان الشونة

ولابدَّ من الإشارة مرةً أخرى إلى أن هذه الخانات القديمة حافظَت على هيئتِها وطرازِها لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، كما حافظَت على إطارِها التاريخيِّ في وظيفتها المعاصرة، إلا أنَّها فقدَت أهميتها التي بُنيت من أجلِها بسبب التطورِ العمراني لمدينةِ حلب ونشوء الفنادق والأسواق الحديثة، لكنَها ستبقى دائماً أثراً عظيماً تدلُّ على أهميةِ مدينة حلبَ الاقتصادية.

المصادر:

1- الحمصي، فايز، حلب القديمة، دمشق: منشورات المديرية العامة للآثار والمتاحف، 1983.

2- غاوبه. هاينتز، فيرت. أويغن، حلب دراسات تاريخية وجغرافية حول البنية المعمارية والتركيبة الاجتماعية والحركة الاقتصادية لأحد مراكز التجارة الدولية في الشرق الأدنى (الجزء الأول)، ترجمة صخر علبي، دمشق: منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، 2007.