الفيزياء والفلك > علم الفلك

ناسا: التقطنا ومضات غريبة مترافقة مع الأمواج الثقالية.

استمع على ساوندكلاود 🎧

في 11 شباط/فبراير الماضي أُعلِنَ بشكلٍ رسمي عن رصد أوّل دليلٍ مباشر على وجود الأمواج الثقالية، حيث أنه في تاريخ 14 أيلول/سبتمبر عام 2015 التَقط مرصد LIGO إشارة تدل على أمواج ثقالية ناتجة عن اصطدام ثقبين أسودين، لكن حسب ما أُعلن مؤخراً أنه بعد رصد الموجة السابقة بنصف ثانية سجَّل تلسكوب فيرمي (المتخصص برصد أشعّة غاما) ومضة خافتة من أشعة غاما جاءت من نفس المنطقة من الفضاء. (معلومات أكثر عن تفاصيل اكتشاف الأمواج الثقالية هنا) (معلومات عن أشعة غاما هنا)

أشعة غاما هي جسيمات ضوئية عالية الطاقة وقد انبعثت من نَفسِ المنطقة التي حصل فيها إندماج الثقبين الأسودين. هذا الاكتشاف لن يساعد علماء الفلك على التحديد الدقيق للمكان الذي صدرت منه الأمواج الثقالية فحسب، بل إنه وفي حال تمَّ تأكيد وجود ترابط بين أشعة غاما و اندماج الثّقوب السوداء سيكون له تداعيات كبيرة على فهمنا للقوانين الفيزيائية الأساسية التي تحكم كوننا.

يقول علماء ناسا "إذا ثبت إصدار أشعة غاما خلال اندماج الثقوب السوداء سيشكّل ذلك علامةً فارقةً في علمِ الفلك، لقد ظن العلماء من قبل أن اندماج الثقوب السوداء يتم بطريقة (نظيفة) دون إصدار أيّ نوع من الأشعة."

حتى نفهم هذا الموضوع دعونا نستعرض كل ما نعرفه منذ البداية...

في 14 أيلول/سبتمبر، تمكّن مرصد LIGO (بفرعيه الواقعين في واشنطون ولويزيانا) من رصد وجود الأمواج الثقاليّة التي تحدث عنها آينشتاين في بدايات القرن الماضي، ورَجَّح العلماء أن هذه الأمواج المرصودة ناتجة عن إندماج ثقبين أسودين حَصَلَ قَبلَ 1.3 مليار سنة. وذلك الحدث بحد ذاته كان بالغ الأهمية، فلم يسبق لأحدٍ من قبل أن رصد اندماج ثقبين أسودين، كما أن هذا الاندماج كان ضخماً للغاية لدرجة أنه شوّه نسيج الزمكان وأدّى لخلق تموجات انتشرت في جميع انحاء الكون حتى وصلت إلينا أخيراً العام الماضي.

أما الآن فقد كشفَ العلماء أنهم التقطوا أيضاً في نفس اليوم شيئاً غريباً، هذا الشيء هو عبارة عن ومضة خافتة جداً من أشعة غاما رصدوها بعد نصف ثانية من رصد الموجة الثقالية وجاءت من نَفسِ المنطقة من الفضاء.

هل يُعقل أن هذا مجرّد صدفة؟! لا يمكن استبعاد هذا الإحتمال، لكن ووفقاً لخبراء ناسا فإن احتمال حصول الومضة والموجة في نَفس المكان ونفس الزمان بالصدفة لا يتجاوز 0.2%.

على أقل تقدير فإن هذا الإكتشاف سوف يساعد العلماء على تحديد المكان الدقيق لمصدر الأمواج الثقالية وتاريخِ حدوثها قبل 1.3 مليار سنة من اليوم. هذا الإكتشاف المهم حصل بفضل جهاز مراقبة ومضات غاما (Gamma-ray Burst Monitor (GBM، وهو أحد الأجهزة التي ركّبتها ناسا على تلسكوبها الفضائي فيرمي Fermi.

لدى المراصد الحاليّة التي يستخدمها العلماء لرَصدِ الأمواج الثّقالية رؤية ضبابية نوعاً ما، فخلال حدث اكتشاف الأمواج الثقالية الذي تم رصده في أيلول/سبتمبر (الذي سمي لاحقًا GW150914 ) لم يستطع العلماء تحديد موقع إندماج الثقبين الأسودين إلّا بدقّةٍ ضعيفة، حيث كانت ترجيحاتهم لمكان الاندماج تمتَدُّ على بقعةٍ من السماء مساحتها 600 درجة مربعة. يمكن مقارنة مساحة هذه البقعة من السّماء بمساحة الولايات المتحدة بالنسبةِ للأرض.

إذا فرضنا أن ومضة غاما التي رصدناها بعد نصف ثانية مرتبطة بالحدث، فهذا يعني زيادة دقّة تحديد مكان اندماج الثقبين إلى 200 درجة مربعة. أي تقليص المساحة المحتملة لمكان حدوث الاندماج إلى الثُّلُث.

لكن هذا الفرض يطرح إشكالية هامّة، حيث أن فكرة وجود ضوء مُنبعث من عملية اندماج ثقبين أسودين سوف تؤدي إلى إعادة التفكير من جديد في طريقة فَهمنا لأكثر الأحداث المرصودة عنفاً في الكون.

لكي نشرح الموضوع بطريقة بسيطة: لا بدَّ من وجود غاز لتوليد الضوء. فحتى تصلنا نبضة غاما نحتاج إلى تهييج غازٍ ما، لكن وكما هو معروف لا يجب ان يكون هناك أي أثر للغاز بين الثقبين المندمجين، حيث من المفترض أن تكون الثقوب السوداء قد ابتلعت كل الغازات المحيطة بها قبل فترةٍ طويلة من الاندماج.

هذا يضعنا أمام إحتمالين، الأول هو أن تَرافُق ومضة غاما مع إندماج الثقبين هو محْض صدفة ولا علاقة في الواقع بينهما. الإحتمال الثاني أن اندماج الثّقوب السوداء يمكن أن يُنتِج بالفعل ومضات من أشعة غاما قابلة للرصد، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نعيد النّظر في كلِّ القوانين التي تحكم الثقوب السوداء لفهم مالذي يمكن لهذه الثقوب أن تبتلعه وفي أي وقتٍ قد يحصل ذلك.

يقول Valerie Connaughton أحد العاملين على جهاز مراقبة ومضات غاما GBM : إنه اكتشافٌ مثير، وإحتمال أن يكون مجرّد إنذار كاذب هو ضئيل جداً. لكن قبل أن نبدأ بإعادة كتابة كلِّ ما تعلّمناه عن الثّقوب السّوداء، يجب أن نرصد المزيد من ومضات غاما المترافقة مع الأمواج الثقالية الناتجة عن اندماج الثقوب السوداء".

مازال على العلماء مراجعة وتحليل المزيد من البيانات، لكن مجرّد فكرة أن هناكَ غازات تستطيع الهروب من قوة السحب الهائلة للثقوب السوّداء قد تُصيبنا بالكثير من الدهشة والذهول.

المصدر: هنا