البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

نوباتُ الغضبِ وعلاقتُها بالقطط

استمع على ساوندكلاود 🎧

تشيرُ نتائجٌ بحثيِّةٌ أُجريت مؤخراً، إلى ارتباطِ اضطرابِ نوباتِ الغضبِ مع طفيليٍ يمكنُ أن يوجدَ في برازِ القطط.

فنوباتُ الغضبِ العنيفةِ التي لا يمكنُ السيطرةُ عليها، يمكنُ أن تكونَ ناتجةٌ من عدوى سابقةٍ للدماغِ بطفيلي التوكسوبلاسما الذي يعيش داخل خلايا القطط وينتقل عن طريق برازها.

فلقد أشارت نتائجُ دراسةٍ شملت أكثرَ من 350 فردٍ بالغٍ ممن يعانون من اضطرابٍ نفسيٍّ يسمى الخللُ الانفعاليُّ المتقطع (IED) أن هناك احتمالاً مضاعفاً بأن تكونَ هذهِ االحالة نتجت من إصابةٍ سابقةٍ بداءِ المقوساتِ الناتجِ عن طفيليِّ التوكسوبلاسما، وذلك مقارنةً مع الأفرادِ الأصحاءِ الذين لا يعانونَ من أعراضٍ نفسيةٍ، وبهذا تكونُ هذهِ الدراسةُ قد أضافت دليلاً إلى مجموعةِ أدلةٍ متزايدةٍ، بأن داءَ المقوساتِ التي تسببهُ التوكسوبلاسما، يمكنُ أن يُسببَ مشاكلَ في السلوكِ على المدى البعيد.

وكانت دراسةٌ سابقةٌ قد ربطَت بينَ داءِ المقوساتِ وأمراضٍ نفسيةٍ متعددةٍ كالفصامِ والاضطراب ثنائيِّ القطب، والاندفاع، والسلوك الانتحاري، ويؤكد الباحثون أن هذه الدراسة حددت فقط، وجودَ علاقةٍ بينَ الغضبِ وداء المقوسات، ولايمكن القولُ حتى الآن أن داءَ المقوساتِ يسبب الغضب أو أنه يجب علينا التخلص من هذه القطط لهذا السبب.

ويؤكدُ الدكتور (Emil Coccare)، الذي قادَ هذهِ الدراسةِ، على أن: "ليس جميعَ من أُصيبَ بهذه الطفيليات يعاني من نوباتِ الغضبِ العدوانيِّة، ولكن ربَّما أن الإصابةَ بهذه الطفيليات يزيدُ من مخاطرِ الإصابةِ بالسلوكِ العدوانيَّ، وهناكَ حاجةٌ لمزيدٍ منَ الأبحاثِ لمعرفةِ ما إذا كانت العلاقةُ بينهما سببيةٌ إن وجدت، وماهي الآلية البيولوجية التي تؤدي إلى ذلك".

ومن المعلومات المتوفرةِ والتي قدمها مركزُ مراقبةِ الأمراضِ والوقايةِ منها في الولايات المتحدة الأمريكية، أنَّ أكثرَ من 20% من سكانِ أمريكا أُصيبوا بطفيليِّ التوكسوبلاسما، وتعتبرُ القططُ المضيفَ الوحيدَ الذي تتكاثرُ فيه هذهِ الطفيلياتُ، بعد ذلك تخرج بويضاتُ التوكسوبلاسما مع برازِ القطط، وحينها يمكنُ للإنسانِ أن يصابَ بداءِ المقوساتِ نتيجةَ التعرضِ المباشرِ لهذه البويضاتِ المجهريةِ بعدةِ طرقٍ منها عدمُ غسلِ اليدين بعدَ تنظيفِ صناديق القططِ أو العملِ في الحديقةِ مع تربَتها الملوثةِ، أوتناولِ اللحوم غيرِ المطهيةٍ بشكلٍ جيد، أو الخضارِ الملوثةِ التي لم تُغسل جيداً، ويمكن لهذهِ الإصابةِ أن تسببَ مشاكلَ عصبيةٍ حادةٍ للأجنةِ خلال فترة الحمل في حالِ إصابةِ الأمهاتِ، ولهذا تُنصح الحواملُ بعدم التعامل مع فضلات القططِ اثناءَ حملهن.

وحسب تصريح الدكتور (Caccaro)، فقد سُجِّلت أعراضُ اضطرابِ الغضبِ عند ثُلثِ المتطوعين الـ 358، وذلك حسبَ الدليلِ التشخيصيِّ والإحصائيِّ للإضطراباتِ العقلية والتي تشملُ التسَّرعَ والإرتيابَ والإنفجارَ بغضبٍ لفظيٍّ أو فيزيائيٍّ لا يتناسبُ مع الموقفِ المؤدي لهُ. بينما تمَّ تشخيصُ إصابة الثُلث الثاني باضطرابٍ نفسيٍّ مختلفٍ عن اضطرابِ الغضب، أما الثلث الأخير فقد كان سليماً ولم يُشخص بأية حالةٍ مرضيةٍ نفسيةٍ.

كما وجدَ الفريق البحثيُّ أن 22% من الثلثِ الأولِ كانت نتائِجُهم إيجابيةٌ بالنسبةِ لتحليلِ داءِ المقوساتِ، وذلك مقارنةً مع 9% من الأشخاصِ الأصحاءِ الذين تمَّ اعتبارهم العينة الشاهدةَ لهذا البحث، في حين أن نتائج 16% من الثلث الثاني أظهرت نتائجَ إيجابةً للإصابةِ بداء المقوسات.

ويقول (Jaioslav Flegr)، أستاذُ علمِ الأحياء في جامعةِ تشارلز في براغ – جمهورية التشيك، أنَّ النتائجَ تؤكدُ ملاحظاتَ فريقهِ البحثيِّ خلالَ العقدين الماضيين، وأن نتائجَ أبحاثهِ وجدت أنَّ انتشارَ داءِ المقوساتِ يرتبطُ بشكلٍ وثيقٍ مع حالاتِ العنفِ وارتفاعِ الوفيَّاتِ في بلدانٍ معيَّنةٍ، ويضيف (Flegr) وهو من أوائلِ من اقترحَ ارتباطَ الإصابةِ بداء المقوساتِ مع التغيراتِ التي يمكنُ أن تطرأَ على الدماغِ والتي ترتبطُ مع أمراضٍ مختلفةٍ كالاضطرابِ ثنائي القطب والوسواسِ القهريِّ والصرع، أنّه "رَغمَ ذلك لم يَستطع العلماءُ شرحَ كيفَ يمكنُ لهذهِ الإصابةِ أن تؤدي إلى تغيِّرٍ في السُلوك".

ويشرحُ الدكتور (Royce lee) من جامعةِ شيكاغو عدةَ نظرياتٍ لتفسيرِ الارتباطِ السابقِ منها، أن يكونَ ذلك نتيجةَ زيادةِ الاستجابةِ الالتهابيةِ في الدماغِ، أو أن يكونَ هنالك تعديلٌ مباشرٌ على الدماغ من قِبَلِ الطفيليَّ نفسِه، أو حتى أن تكون علاقةٌ سببيِّةٌ عكسيةٌ، فالأشخاصُ العدوانيون يميليون لتربيةِ القطط وأكلِ اللحومِ غيرِ المطهيةٍ بشكلٍ جيدٍ.

يدعمُ الدكتور (Caccaro) نظريةَ الالتهابِ، فالأصابةُ بداءِ المقوساتِ يحثُّ الجسمَ على انتاجِ أجسامٍ مضادةٍ وهي عبارةٌ عن بروتيناتٍ تتعرفُ على مسببات أمراض محددةٍ، لتبدأ بعدها عمليةُ الالتهابِ الطبيعيةِ لمكافحةِ العدوى. وبعد دخول الطفيليات إلى الجسم، فإنه بإمكانها الانتقال إلى العضلاتِ والدماغِ، وهنا يمكنها الاختباءُ داخلَ الخلايا الدماغيةِ وهنا تحدثُ الاستجابةُ الالتهابيَّةُ التي يمكنُ أن تؤدي إلى ضررٍ في الخلايا العصبيةِ أثناء محاولةِ الجهاز المناعيِّ التخلص من التكسوبلاسما.

علماً أن الفريق البحثي استطاعَ تحديدَ وجودِ الأجسامِ المضادةِ في عيناتِ الدمِ فقط، وليس في عيناتِ سوائلِ الدماغِ، ويمكنُ للأبحاثِ المستقبليِّة أن تُثبتَ وجودَ التوكسوبلاسما في دماغ المصابين باضطرابِ نوباتِ الغضبِ، والتي يمكنُ أن تشرحَ العلاقةَ السببيَّة بينهما.

وبطريقةٍ أخرى يقولُ الأطباءُ أنهم سيعملون بطريقةٍ معاكسةٍ للتحقق من هذه النظريةِ، كأن يتمَّ علاجُ المصابينَ باضطرابِ بنوباتِ الغضبِ من طفيليِّ التوكسوبلاسما ومراقبةُ أعراضِ الغضب فيما إذا كانت ستتأثرُ أو ستنخفضُ بعد العلاج.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا