الطب > مقالات طبية

حياتُك الكسولةُ قد تجعلُ دماغَكَ كسولاً أيضاً!

استمع على ساوندكلاود 🎧

"Mens sana in corpore sano" "العقلُ السليمُ في الجسمِ السليمِ".

بعدَ مئاتٍ من السنينَ على انتشارِ هذهِ المقولةِ الشائعةِ للشاعرِ الرومانيِ جوفينال Juvenal، نتناولُ اليومَ دراسةً أَثبَتَتْ بطريقةٍ أو بأخرى صِحّة هذا القولِ.

لقد أصبحَ منَ المعروفِ للكثيرينَ أنَّ اعتمادَ نمطِ حياةٍ كسولاً يخلو منَ النشاطِ الفيزيائي (كممارسةِ الرياضةِ بأنواعِها المختلفةِ) مع مشاهدةِ الكثيرِ من التلفازِ يُعدّ منْ عواملِ الخطورةِ لتطوّرِ البدانةِ وزيادةِ الخطورةِ القلبيةِ الوعائيةِ وما يرافقُها من ارتفاعٍ في معدّلِ الوفيات، ولكنّنا اليومَ نتحدثُ عن دراسةٍ تُعتبرُ واحدةً من أوائلِ الدراساتِ التي أظهرتِ العلاقةَ بينَ هذه السلوكاتِ وتراجعِ الوظائفِ المعرفيةِ.

بهدفِ دراسةِ مدى تأثيرِ نمطِ مشاهدةِ التلفازِ والنشاطِ الفيزيائيِ في مرحلةِ الشبابِ على الحالةِ المعرفيةِ في منتصفِ العمرِ، قامتْ دراسةٌ في الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ على جمعِ ثلاثةِ آلافٍ ومئتينِ وسبعةٍ وأربعين مشاركاً تراوحت أعمارُهم ما بين الثامنةِ عشرةَ والثلاثين عاماً، بمتوسطِ أعمارِ خمسةٍ وعشرين عاماً تقريباً عند بداية الدراسة، وكان اثنان وتسعين وتسعةٍ بالمئةِ منهم قد أكملَ دراستَه الثانويةَ على الأقل.

استمرت الدراسةُ خمساً وعشرين عاماً (ما بين خمسٍ وعشرين من آذار لعام الفٍ وتسعمائة وخمسٍ وثمانين ولغاية واحدٍ وثلاثين آب لعام ألفين وأحد عشر)، ومن خلالِ الاعتمادِ على استبياناتٍ خاصةً تمّ تقييمُ نمطِ مشاهدةِ التلفازِ كلّ خمسِ سنواتٍ (عددُ ساعاتِ المشاهدةِ في اليومِ الواحدِ خلالَ الأشهرِ الاثتى عشر السابقة) وطُبّقَ تقييمٌ مشابهٌ أيضاً على النشاطِ الفيزيائيِ كلَّ اثنين إلى خمس سنوات. ومع انتهاءِ سنواتِ الدراسةِ الخمسةِ والعشرين تمّ تقييمُ الحالةِ المعرفيةِ للمشاركين باستخدامِ ثلاثةِ اختباراتٍ خاصةٍ، تمّ فيها دراسةُ سرعةِ معالجةِ المعلوماتِ والوظيفةُ التنفيذيةُ* والذاكرةُ اللفظيةُ للكلماتِ verbal memory.

*الوظيفةُ التنفيذيةُ هي مجموعةٌ من المهاراتِ الدماغيةِ التي تساعدُ البشرَ على التخطيطِ والتنظيمِ والانتباهِ.

ووِفْقاً لنتائجِ الدراسةِ فقدْ أبدَى المشاركونَ ممنْ تجاوزَ لديهم المعدلُ الوسَطيُ لمشاهدةِ التلفازِ ثلاثَ ساعاتٍ في اليومِ (وقدْ بَلَغَ عددُهُم ثلاثمئة وثلاثة وخمسين شخصاً) تراجُعاً في بعضِ الاختباراتِ المعرفيةِ. وكذلك فقد كان أداءُ خمسمئة وثمانية وعشرين مشاركاً من ذوي المعدلِ الأدنى للنشاطِ الفيزيائيِ منخفضاً في واحدٍ من الاختباراتِ الثلاثِ المطبقةِ. وأخيراً فإنّ تراجعَ الأداءِ المعرفيِ لدى مئةٍ وسبعين من المشاركين ممن جَمعوا كلّاُ من تدنّي النشاطِ الفيزيائيِ معَ إمضاءِ أكثرِ من ثلاثِ ساعاتٍ في مشاهدةِ التلفازِ فاقَ بمرتين أولئكَ الذين اتّبعوا نمطَ حياةٍ صحياً أكثرَ (عددُ ساعاتِ مشاهدةِ تلفازٍ أقلّ مع ممارسةٍ أكبرَ للتمارينِ الرياضيةِ). علماً أنّ جميعَ الفئاتِ السابقةِ قدْ أظهرتْ تراجعاً واضحاً في كلٍّ من الوظيفيةِ التنفيذيةِ وسرعةِ معالجةِ المعلوماتِ في حينَ لم تتأثرْ الذاكرةُ اللفظيةُ.

إحدى فرضياتِ تفسيرِ هذهِ النتائج هي عدمُ إمكانيةِ اعتبارِ مشاهدةِ التلفازِ منَ النشاطاتِ التي تتطلبُ استخدامَ وتوظيفَ قدراتِنَا المعرفيةِ، كما أن اتّباعَ نمطِ الحياةِ هذا كثيراً مَا يترافقُ مع غيرِهِ منَ العاداتِ السيئةِ كاعتمادِ نظامٍ غذائيٍ غيرَ صحّي. كما يمكنُ أنْ يزيدَ النشاطُ الفيزيائيُ من نموِ وتطورِ النسيجِ العصبي ناهيك عن تسهيلِ النقلِ المِشْبكي خاصةً في المناطقِ المسؤولةِ عن الوظيفةِ التنفيذيةِ وسرعةِ معالجةِ المعلوماتِ، وأخيراً يمكن للنشاطِ الفيزيائي أن يؤثّرَ أيضاً على عواملَ تلعبُ دوراً في الضعفِ المعرفيِ ومنها الخطورةُ القلبيةُ الوعائيةُ والعواملُ الالتهابيةُ والاكتئاب.

وبذلك يمكننا القولُ أنّ تراجعَ الوظائفِ المعرفيةِ معَ التقدمِ في العمرِ لم يعد أمراً لا مفرَّ منه، فإنْ كنتَ من مُدمني مشاهدةِ التلفازِ ولم تمارسْ الرياضةَ منذُ سنواتٍ، أعِدْ النَظرَ قليلاً في أسلوبِ حياتِكَ.

المصدر:

هنا