الرياضيات > الرياضيات

كوديل عالِم المَنطِق المُضطرب عقلياً

استمع على ساوندكلاود 🎧

كورت گوديل أحد أهم علماء الرياضيات في القرن العشرين ، تتركز أبحاثه حول نظرية المجموعات والمنطق الرّياضي ، ويمكن أن يُصَنّف كوديل كفيلسوف إضافةً لكونه رياضياتيّ ، وقد تركت أبحاثه أثراً عميقاَ في الرّياضيات ، ولا يزال الجدل حول مساهماته متقداً إلى يومنا هذا ، إخلاصه اتجاه عمله جعله يفضّل العزلة ويفضّل البقاء على اتصال مع عدد محدود من الأشخاص ولاسيما بعد تحقيق أبحاثه لأثر كبير في مجال العلم 1942 ، حيث اختارنمط الحياة الرّتيبة ، وأبدى حساسيةً كبيرةً لأيِّ نوعٍ من النّقد ، إنجازاته اللامعة كانت بسبب عمله المتفاني إضافة لعبقريته.

ولد كوديل كابن ثانٍ لأبٍ نمساوي وأمٍ من أصلٍ ألمانيّ بتاريخ 28/4/1906 في مدينة برنو في النِّمسا ، حيث أصبح أخوه الأكبر طبيباً لامعاً في عصره ، وتولّى العناية به أواخر حياته ، كان كوديل الطّفل شديد الفضول حتى لُقِّب بين زملائه بـ '' السّيد لماذا ''، وذلك بسبب السّيل الكبير من الأسئلة التي كان يطرحها باستمرار ، درس الرّياضيات بالإضافة الى عدة لغاتٍ في إحدى مدارس ألمانيا بين عامي 1914 -1924 ، وأبدى نبوغاً في الرّياضيات التي زاد اهتمامه بها بعد أن سافر شقيقه إلى النّمسا لدراسة الطّب، تشير الدراسات في سجله الطّبي أنه عانى مبكراً من بعض الاضطرابات العقلية ، حيث كان مقتنعاً أنه كان يملك قلباً ضعيفاً منذ الصّغر.

دخل غوديل جامعة فيينا عام 1923 حيث اختار دراسة الفيزياء النّظرية ، وأبدى اهتماماَ لافتًا بالرّياضيات ، ولا سيما نظرية المجموعات التي تابع محاضراتها ، إلى جانب اهتمامه بالفلسفة ، حيث قرأ مؤلفات كانط ، وانضم إلى ماكان يعرف بحلقة فيينا ، والتي ضمّت مجموعة من الفلاسفة ، والتي كان توجها امتداداً لأفكار ماخ ، بالرغم من عدم تأيده بهذه الأفكار ، لأن كوديل كان أفلاطونياً بمعنى اعتقاده بوجود عالم من المفاهيم التي يمكن للحدس البشري كشفها، ومن ثم فإن أي عبارة تحتوي على '' قيمة صدق'' تحدد صحتها من عدمه، ودرس لاحقاً كتاب برتراند راسل مقدمة إلى الفلسفة الرّياضيّة ، وكان لأفكارهذا الكتاب العلمية أثراً كبيراً في أعماله اللاحقة ولا سيّما في مجال المنطق ،أكمل كوديل دراسته العيا في مجال الرّياضيات وحصل على الدّكتوراه في المنطق بإشراف هانز هان ، وأصبح محاضراً في جامعة فيينا، و تمكّن من دخول معهد الدّراسات المتقدمة فيما بعد.

يعتبر كوديل عالماً رياضياً مقلاً إذ أن عدد الأعمال التي نشرها قليلة إلا أنها كبيرة الأثر، وهي أكثر قليلاً من عدد ما نشره ريمان ، الذي لم ينشر سوى أربعة أبحاث .

نشر كوديل ورقتين علميتين مميزتين قبل بلوغه سن 25 ، الأولى تخص أطروحته لنيل الدكتوراة ، والثانية معنونة بـ حول قضايا غير يقينية شكلياً للمبادئ الرّياضياتيّة والأنظمة ذات الصلة حيث قدم فيها ''نظرية اللاتمام'' أو اللابَتُوتة – بمعنى التي لا يمكن البت فيها - ، وتقول هذه النّظرية أنّه من أجل نظام متسق ما قابل للتعبير عنه حسابياً ، يوجد افتراض لا يمكن البت به ضمن هذا النًظام ، والبت هنا بمعنى إثبات الصحة أو دحضها .

من أبحاثه المميزة ''تمامية الحساب التّابعي من المرتبة الأولى ''، والذي بتضمن إثباته لمسألة رياضيّة مفتوحة طرحها هلبرت وأكريمان ، حول قدرة التّعابير المنطقية ( و ،أو ، أيا كان ، يوجد على الأقل ....) عند إلحاقها بمجموعةٍ من المسلمات ، من استنتاج جميع القضايا الصّحيحة في تلك المجموعة.

كانت لأعمال كوديل في نظرية المجموعات أثراً عميقاً كونها قدمت إجابات للعديد من الجّدليات الرّياضيّة في عصره ، إذ بيّن كوديل اتساق مسلمة الاختيار وفرضية التلاحم لكانتور مع بقية المسلمات في نظرية المجموعات. قابل كوديل زوجته أديل نمبورسكي عام 1929 ، وكانت مطلقة و أكبر منه بست سنوات ، بالإضافة إلى عملها كراقصة و وجود وحمة في وجهها ، كلها أسباب دفعت والدي كوديل لرفض زواجه منها ، إلا أنَّه تزوج بها عام 1938 ، وبقي مخلصاً لها حتى أواخر حياته. تُوفيَ والده عام 1929 بنفس السّنة التي قدم كوديل أطروحته لنيل الدكتوراه ، كما تعرض كوديل للعديد من الاعتداءات من قبل النازيين في سنواته الأخيرة في النّمسا بسبب أن معظم أصدقاءه كانوا يهوداً.

التحق كوديل بمعهد الدّراسات المتقدمة في برنستون عام 1934 وقدم مجموعة من المحاضرات حول نظريته ، وأصبح صديقاً مقرباً من أينشتاين عام 1935 ، لكن رحلاته الكثيرة أثرت في صحته فأخذ إجازة لسنين ، ثم استأنف محاضراته في جامعة فيينا عام 9371 ، حيث تقدم ببعض الطلبات إلى الجامعة ، لكن الأخيرة رفضتها بشدة بسبب صلة كوديل ببعض الأصدقاء اليهود، ومع بداية الحرب العالمية الثانية طُلب للخدمة العسكرية ، ففر كوديل مع زوجته من فيينا إلى برنستون حيث وجد عملاً كمحاضر هناك .

حصل كوديل على الجنسية الأمريكية عام 1946 ، ومن المواقف الطريفة أثناء أداءه القسم ، جوابه على سؤال القاضي له عن رأيه بالدستور الأمريكي ، فكان رد كوديل مستفيضاً شارحاً أوجه التناقض التي تضمنها الدستور.

عاد إلى عمله و نشر بحثاً علميّاً جديداً. وفي عام 1949 استطاع أن يبرهن على أن الأكوان التي يمكن للزمن الرجوع إلى الوراء فيها ، يمكن أن تتوافق مع معادلات أينشتاين ، وظهرت آخر أبحاثه العلمية عام 1958 ، وبعدها انطوى على نفسه بشكل أكبر وزادت صحته الجسدية والعقلية سوءاً، و أصبح هزيلاً بسبب قلة الطعام ، فقد سيطر عليه هوس الارتياب في أن يكون طعامه مسموماً ، واستمر ذلك إلى حين وفاته. آخر ظهور علنيّ له عام 1972 في حفل تسلمه الدّكتوراة الفخرية من جامعة روكفلر ، وبعد ذلك بثلاثة أعوام نال الميدالية القومية للعلوم، لكنه أحجم عن حضور حفل تسليم الميداليات لدواعي المرض.

من أعماله محاولة ''برهان على وجود الله'' كتبه بلغة ألمانية قديمة ، تمت ترجمته بعد وفاته.

عُرِف عن كوديل إصابته ببعض الاضطرابات العقلية ، مثل البارانويا حيث سيطر عليه اعتقاد أن طعامه مسموم ، ومن الأمور الغريبة التي قام بها نتيجة اضطرابه العقلي قيامه بتسجيل درجة حرارته وكمية الحليب التي تناولها كل يوم على مدى 20 عاما ، وكان يرفض أن يأكل إلا طعاماً مُعداً من قبل زوجته، وأثناء وجود الأخيرة في المشفى للعلاج من السَّكتة الدِّماغيّة عام 1976 ، تولى رعايتها إلى أن أُجريت لها عملية إلا أنَّها بقيت تحت العلاج فاقدة الوعي عام 1977،فرفض أن يأكل بشكل كامل، مما أدى لوفاته من الجوع عام 1978.

المراجع :

هنا

هنا

هنا