الطب > مقالات طبية

الرسم للمساعدة على التذكر: بحث سوري و مراجعة للأدب الطبي

استمع على ساوندكلاود 🎧

نُشِر بحثٌ سوريٌّ مؤخراً عن دور الرسم واستخدام الأشكال التوضيحية في المساعدة على التذكر حمل عنوان: "ذاكرة الطلاب في دروس التشريح وأثر الرسم" حيث قيًم البحث أثرَ رسمِ الطلاب للمنطقة التشريحية المدروسة على تذكر الطلاب لها قبل وبعد الجلسة التشريحية.

شملت الدراسة ٤١٦ طالبَ طبٍّ من جامعة دمشق في السنة الدراسية الثانية، تم توزيعهم عشوائياً على ٣ مجموعات مُعمّاة، قامت مجموعتان منها برسم الناحية التشريحية قبل وبعد الجلسة التشريحية، في حين لم تشارك المجموعة الثالثة بالرسم إطلاقاً. ومن ثم تم تقييمُ ذاكرةِ كل مجموعة مرتين، بعد أسبوع واحدٍ من الجلسة و بعد سبعة أسابيعَ، وتمت مقارنة المعدلات بين المجموعتين باستخدام t-test.

وجدت الدراسة أن قدرةَ طلاب المجموعتين اللتين قامتا بالاستعانة بالرسم على تذكر المناطق التشريحية كانت أفضلَ بكثير - ودونَ فرقٍ ملحوظ بينهما - من قدرة المجموعة التي لم تستعن بالرسم عند اختبار ذاكرة الطلاب في الأسبوع الأول والسابع

من ناحية أخرى، تمت دراسةُ تأثيرِ الرسمِ على الذاكرة عند الأطفال في دراسة قديمةٍ نُشِرت في تموز ١٩٩٥، شارك فيها ٣٢ طفلاً و طفلةً بين خمسِ وستِّ السنوات. قام الأطفال بحضور فعالية مميزة غيرِ مألوفة ومن ثم طلِب رسمُ الأحداث التي دارتْ في الفعالية من قبلِ نصف عددِ الأطفال المشاركين بينما طُلِب التحدثُ عن مجرياتِ الفعالية دون رسمها من النصف الآخر. النصفُ الذي قام برسمِ الأحداثِ كان أكثرَ دقةً وتذكًر تفاصيلَ أكثرَ من النصف الذي تحدّثَ فقط، خصوصاً عند الإجابة على الأسئلة المباشَرة.

وعند مقابلةِ الأطفالِ بعد شهرٍ من الفعالية، تذكرَ الأطفالُ الذين قاموا برسم الفعالية معلوماتٍ أكثرَ من الأطفال الذين تحدثوا عنها فقط.

في الثاني من شهرِ آذارَ ٢٠١٥ قام Quilin بنشرِ بحث علمي بعنوان "الرسم للتعلم: إطارُ عملٍ لاستعمال الرسم بهدف تعزيز التفكير المبني على النموذج في علوم الأحياء"

تحدث Quilin فيه عن الصعوباتِ المُواجَهة حالياً في تطبيقِ الرسم كوسيلةٍ للتعلم، لعدم وجود العديد من المدرسين والمشرفين الذين يعترفون بهذه الطريقة للتعلًم بسبب قلة الأبحاث العلمية التي تدرس هذا الموضوع، وطرحَ البحثُ إطاراً يتم فيه تعريف الرسم وتصنيف الأسباب التي يجب تطبيقُ الرسم للتعلًم في صفوف علم الأحياء لأجلها، ونشَرَ توصياتٍ تساعد المدرسين على خلقِ بيئةٍ تعليمية تساعد على تطبيق الرسم للتعلم.

عرًف البحثُ الرسمَ على أنه التمثيلُ البصريُّ الخارجيُّ الذي يضعه المتعلًم لأي نوع من المحتويات سواء كانت بنىً، عملياتٍ أو علاقاتٍ تم إنشاؤها بشكل ثابت ثنائي الأبعاد في أي بيئة أو وسط.

مشاركةُ الطلاب بالرسم قد تكون على عدة مستويات، حيث يمكن للمدرِّس أن يطلب إكمالَ أو تفسيرَ رسمٍ ما أو رسمَ تصورهم على صفحة فارغة. وكلما ازدادت المشاركة الفعالة للطلاب بالعملية التعليمية كلما ازدادت الفائدة المحققة من الرسم.

يزيد استخدامُ الدماغ للمعلومات المساحية والبصرية لترميز معلوماتٍ أخرى كالمعلومات المقروءَة قدرةَ الدماغ على الحفظ والتعلّم، لذلك يتعلّم الطالب أكثرَ بمزجِ المعلوماتِ اللفظية والبصريةِ من مجردِ استخدام المعلومات اللفظية للتعلم.

لنتصور سويةً كيف يتمّ دمج المعلوماتِ اللفظيةِ والبصرية في دماغ الطالب؛ اقترح ماير في بحثه عام ٢٠٠٩ أن الطالب يخلقُ في ذاكرته نموذجاً فكرياً من خلال القيام بالمهام التالية:

1. انتقاءُ المعلومات اللفظية والبصريةِ من ضمن المحتوى الذي يتم تدريسه (معالجةٌ حسيةٌ للمعطيات) ومن المعلومات التي احتفظ بها سابقاً في الذاكرة طويلة الأمد

2. تنظيمُ وترتيبُ المعلوماتِ اللفظية والبصرية

3. وضعُ المعطيات السابقة ضمن نموذج فكري.

تم تطويرُ هذه النظرية باقتراحِ رسم النموذج الفكري الذي يتوصل إليه الطالب إما خلال قيامهِ بخلق النموذج الفكري في دماغه أو بعد إكماله للعملية الفكرية.

اقترح البحثُ عدةَ مُقارَبات لتسهيل تطبيق الرسم للتعلم في البيئة التدريسية، بدايةً بتحفيز الطالب وإعطائه الثقةَ بقدرته على القيامِ بهذه العملية التعليمية. ركّز البحث أيضاً علي أهمية الثقافة البصرية لتمكين الطالب من التوصل لرسومٍ تمثل الخلاصة الهامة للجلسة التعليمية وتجنبِ التشتت بالأمور السطحية، وهذا الأمرُ يتطلبُ تدريباً ومُمارَسة مستمرة. الأمر الأخير وبالغُ الأهميةِ هو تطويرُ المحاكمةِ المبنية على نموذجٍ، حيث أن المتعلم المبتدئ يرى المبادئ كأمور غيرِ قابلةٍ للنقاش بينما يرى المتعلمُ المتمرّسُ المبادئَ كمعطياتٍ مرنة قابلة للنقاش وتقبلِ وجهات نظر متعددة، وبالتالي هذا يحفز العملية الفكرية لفهمٍ أعمقَ للمبادئ.

في كل صف من صفوفِ المدارسِ يتم استخدام الأشكال للتعليم، وقد يُطلَب في بعض الصفوف رسمُ أشكالٍ تعليمية، وذلك بسبب الإيمان الفطري بفعالية الرسم والنماذج في العملية التعليمية، إلا أن العديد من المدرسين قد لا يدركوا قيامَهم بذلك وأنه من الممكن التوسع باستخدام الرسم للتعليم، وبناءً على التوصيات المطروحة في الدراسات السابقة نأمل رؤية تطبيقٍ أوسعَ للرسمِ بغية تعلمٍ أفضل.

المصادر:

هنا

هنا

هنا