كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الثالوث المحرم): دراسات في الدين والجنس والصراع الطبقي

يبدأُ "ياسين" كتابهُ في نصفهِ الأول بنتائجِ بحوثِ كُتّابٍ سابقين أمثالَ (انغلز، ماركس، ماندل، روتمان، فرويد، طيب التيزيني، زهير حطب، جواد علي،...) عن المحرمَيْن الأساسيين في أغلبِ المجتمعات (الدين والجنس)، فنلاحظ عناوينهُ العريضة التي يمكن أن يشكّل كلُّ واحدٍ منها منهجاً لبحثٍ يملأُ مجلداتٍ ضخمةً (كنشوء وتطور الدين– الحاجة الجنسيّة من الحرية إلى الكبت– دور الجنس في الصراع الطبقي).

وتعتبرُ هذه المقدمةُ الموجزةُ في الحديث عن الدينِ والجنسِ وارتباطهما بالصراع الطبقي بوابةً للقارئ العادي لفهمٍ بسيطٍ ولكنه دقيقٌ ومختصرٌ في نفس الوقت عن التطوّر التاريخي لـتأثيرِ الدينِ والجنسِ في الحياةِ الانسانيةِ من الناحيةِ الاجتماعيّةِ والسياسيّةِ، ولاننسى تأثيرَ ذلك على مكانةِ المرأةِ بشكلٍ أو بآخر، إذ انتقلت العلاقاتُ الجنسيةُ من شكلها المطلق دون وجودِ ضوابطٍ وقيودٍ إلى شكلها المقيّد الذي رافقه قيودٌ عدّة ساهمت في تراجعِ مكانةِ المرأةِ عبر العصور فيقول:

"وهكذا يتبينُ لنا، أنَّ تطورَ العلاقاتِ الجنسيّةِ منذ بدايةِ الحياةِ البشريّةِ حتى عصوِر الحضارةِ وخلالها هو في نفسِ الوقتِ تطورُ سدِّ الحاجةِ الجنسيّةِ من الحريّةِ المطلقةِ إلى الكبتِ النسبي، وهو في نفسِ الوقتِ تراجعٌ في منزلةِ المرأةِ من المساواةِ الحقّةِ إلى العبوديةِ والتبعية".

وسينتقدُ البعضُ "ياسين" من حيث أنّهُ لم يأتِ بجديدٍ في هذا القسمِ من كتابهِ وأنّهُ لمْ يستفض بالشرحِ والبحثِ، فهو أخذَ النتائجَ الأساسيةَ والمهمةَ لبحثهِ لتكونَ بوابةً لقسمهِ الثاني من الكتاب (ضرورة فصلِ الدينِ عن الدولة) الذي يفصّلُ فيه تزاوجَ السُّلطة السُّورية مع الدينِ والعكس (مع العلم أنّ النموذجَ السوري فيه الكثير ُمن التشابهِ مع البلدانِ المتخلّفةِ الأخرى). فيناقشُ أهمَّ مظاهرِ ارتباطِ الدينِ بالدولةِ في سورية عن طريقِ دراسةِ (الدستور، وزارة الأوقاف، قانون الأحوال الشخصية، صيام وحج الموظفين، وفي مجال الإعلام).

فمن ناحيةِ الدستورِ يناقشُ تطورّهُ التاريخّي ويوردُ الموادَ التي تربطُ الدولةَ السوريةَ بالدينِ الإسلامي كالمادة 3: 1-دينُ رئيسِ الدولةِ الإسلام 2– الفقهُ الإسلاميُّ مصدرٌ رئيسيٌ للتشريع (دستور 1964) لتبقى في دستورِ 1973 الدائم وأيضاً في دستور 2012.

أما وزارةُ الأوقافِ؛ المظهرُ الثاني لارتباطِ الدولةِ بالدينِ الاسلاميّ عن طريقِ السُّلطة التنفيذيّة، فيخرجُ بذلك الدينُ عن دورهِ الأساسي في انقاذِ الأرواحِ الانسانيِّةِ ليتعداهُ إلى التأثيرِ في الحياةِ الاجتماعيّةِ اليوميّةِ لكلِّ مواطنٍ سوريٍ مهما كانَ دينهُ عن طريقِ: اقتطاعِ جزءٍ من الموازنةِ العامةِ لأجلِ وزارةِ الأوقافِ، فرضُ مادةِ التربيةِ الدينيةِ في المدارسِ ويقول هنا:

"من المؤسفِ حقاً أنْ يكونَ هناكَ إلى جانب تعليمِ مادةِ التربيةِ الدينيةِ في المدارسِ فحصٌ فيها، كيفَ يمكنُ أنْ يُفحصَ المرءُ في مدى إيمانه واعتقادهِ بدينٍ معينٍ؟! أينَ يضعُ رجالُ الدينِ أنفسهم ليعطوا العلاماتِ للناسِ حسب إيمانهم، أهيَ رسائلُ غفران؟ لاشكَّ أنَّ دراسةَ اللاهوتِ أو الشريعة شيءٌ واردٌ، ولكنْ كدراسة، أي كمعرفةٍ ذات أصول لدينٍ معينٍ، لا علاقةَ لها برأي الدارسِ نفسه أو تصرفاته".

وفي مجالِ قانونِ الأحوالِ الشخصيّة يبدأ ياسين نقدهُ لهذا القانون لتخصيصهِ ثلاثَ محاكم لقضايا الأحوالِ الشخصيّة وهي: المحاكمُ الشرعيّة، والمحاكم المذهبيّة، والمحاكم الكنسية.

وفي هذا السياق كتب "ياسين" عن مواضيع الزواج، الإرث، الوصايا، الأبوة، والطلاق.

يقول "بوعلي":

"توحيدُ الشعبِ يتطلبُ افساحَ المجالِ للتزاوجِ بين أفراده. فطالما هناك تمييزٌ في هذه الناحية، أي طالما بقي المسيحي لا يتزوّج إلاّ من مسيحيّة، والعكس، وكذا الأمرُ بالنسبةِ للمسلمينِ والمسلماتِ عندئذٍ يكون لدينا شعوبٌ وليس شعباً واحداً. وهو إلى جانبِ ذلك تحديدٌ وتشويهٌ للعواطفِ الإنسانيّة، إذا اعتبرنا أنَّ المحبةَ لا تعرفُ التفرقةَ الدينيّة والطائفيّة. والدينُ يجب أن يكون دين محبة".

ويُكمِلُ ياسينُ كتابهُ في مجالِ صيامِ وحجِ الموظفين وكيفيةِ هدر ِوقتِ العملِ باسم الدين، وأخيراً يتحدثُ عن كيفيّة استثمارِ الإعلامِ لصالحِ رجالِ الدين.

وبعد هذا يُخصصُ آخرَ جزءٍ من كتابهِ عن معنى الطلاق في سورية، ومن المفيدِ هنا أنْ نستعرضَ سريعاً موضوعَ الطلاقِ الذي أوردهُ الكاتبُ في نهايةِ الكتابِ، إذْ يبتدئُ فكرتهُ بإحصائيةٍ تبيّنُ الفرقَ بينَ نسبِ الطلاقِ في كلٍّ من سورية وفرنسا مع الأخذِ بعينِ الاعتبارِ حالةَ التطورِ والتقدمِ الذي يعتري مختلفَ جوانبِ الحياةِ في فرنسا.. إذ نلاحظ أنَّ نسبَ الطلاقِ في فرنسا تكون مرتفعة جداً مقارنةً منها في سورية.. وهنا يوردُ سؤالٌ جوهريٌ مهمٌ وهو: "هل نشكر التخلف على هذا؟"

ماعلاقةُ التخلفِ بظاهرةِ الطلاق؟ أو بمعنى آخر كيف يُمكنُ للعلمِ والثقافةِ أنْ تساهما في ارتفاع نسب الطلاق؟

ندعُ للكاتبِ حريّة الإجابةِ عن هذه الأسئلةِ مورداً معها أهمَّ العواملِ التي من شأنها أن تنقصَ نسبَ الطلاقِ في بلداننا التي لم تقطع بعد شوطاً مهماً في مجالِ التقدمِ الفكريّ والثقافي.

من المؤلمِ والمحزنِ بعد مرور 45 عام على صدورِ الكتابِ مازلنا لا نستطيعُ تطبيقَ أهمَّ شعاراتِ مرحلةِ ما بعد الاستقلال (الدينُ لله والوطنُ للجميع). وها نحنُ أصبحنا في عصورِ ما قبلِ التاريخِ نتيجةً لعدمِ فصلِ الدينِ عن الدولة.

وفي الختام، من المهم أن نعرف أنّ بوعلي ياسين ولدَ في قريةِ عين الزهور أو (عين الجرب) في شمال اللاذقية عام 1942، اسمه الحقيقي ياسين حسن، وكان أصدقاؤه يلقبونه بـ"بوعلي"، نشأ في عين الزهور ثمّ غادرها إلى دمشق، حيثُ عملَ بها بعد انتهاءِ دراستهِ في ألمانيا ثمَّ عادَ إلى اللاذقية ليستقرَّ فيها وعملَ موظفاً في مديرية التخطيط، ولديه العديدُ من المؤلفاتِ منها كتابُ الثالوثِ المحرم (دراساتٌ في الدين والجنس والصراع الطبقي) الذي تحدثنا عنه في هذه المادة.


معلومات الكتاب:

الكتاب: الثالوث المحرم (دراسات في الدين والجنس والصراع الطبقي).

الكاتب: بوعلي ياسين.

دار: الطليعة- بيروت

عدد الصفحات: 157