البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

البحريّة الأمريكية تجنّد الأحياء الدقيقة في قواتها

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُجري الباحث Jeff Tabor المختص بالبيولوجيا التركيبية في جامعة Rice أبحاثاً تهدف إلى إنشاء كلية بحرية متناهية الصغر، يبلغ ضباطها من الصغر عدم إمكانية رؤيتهم بالعين المجردة، لكنّهم مكلّفين بمهمة كبيرة وهي حماية قوات البحرية الأمريكية من الأعداء الداخليين كالتوتر و الاكتئاب و الاضطرابات الاستقلابية والسمنة.

و قد تلقّى Tabor منحة مدتها ثلاث سنوات من عام 2014م من مكتب البحرية الأمريكية للأبحاث ONR لإجراء تعديلات وراثية على أنواع غير ضارة من جراثيم العصيات المعوية E.coli* بغرض الحصول على متممات حيوية Probiotic** قابلة للأكل يمكنها مكافحة الأمراض و كبحها قبل ظهور الأعراض.

تمكّن Tabor من هندسة عصيات معوية مزودة بمستشعرات يمكنها تحسّس وجود المواد الكيميائية التي تشير إلى وجود الأمراض في أمعاء الفئران كخطوة أولى، و من ثم فهو يسعى إلى هندسة مثل هذه الجراثيم لتتلاءم مع أمعاء الإنسان، على أن تكون موثّقة طبياً و تعيش ما يقارب 6 ساعات، وهي فترة تكفيها لتأدية عملها، لتموت بعدها طبيعياً أو بالقتل الذاتي.

يمثّل هذا العمل التداخل المثمر بين حقلين علميين مثيرين و هما:

البيولوجيا التركيبية و هندسة الأحياء الدقيقة وعلم Microbiomics الذي يدرس الميكروبات البشرية أو ما يسمى الميكروبيوم. Microbiom

يوجد في أمعاء الإنسان ما يقارب 100 تريليون خلية جرثومية، تلعب دوراً هاماً في العديد من المظاهر البيولوجية لديه بدءاً بالسمنة إلى الهضم و التأثير على الجهاز المناعي و حتى صحّته النفسية، إذ ترسل إشارات إلى الدماغ تؤثر على المزاج و الإدراك و السلوك، يسعى Tabor في بعثته إلى تطويع هذه الميكروبات لتدعم القوات البحرية الأمريكية ضد العوامل المسببة للتوتّر أثناء قيامها بمهامها مثل الرعب و التغيرات بالبيئة أو بالنمط الغذائي، و قلة النوم أو مشكلاته التي قد تنجم عن اضطراب الساعة البيولوجية نتيجة البقاء في الغواصات، أو تغير التوقيت اليومي المفاجئ بسبب الانتقال من بلد لآخر. قرر Tabor التركيز على البدانة أولاً، لتوافر معلومات كافية عنها على المستوى الجزيئي بالتالي تعد جيدة للتحقق من النتائج.

تعمل الميكروبات كعضو استقلابي إن صح التعبير فهي تؤثر على الامتصاص و السعرات الحرارية، و تضبط معدل الطاقة في الجسم، و تتحكم بوزن الجسم (من الجدير بالذكر أن الباحثين لا يملكون أية معلومات مؤكدة عن العوامل التي تتحكم بتركيب الميكروبات في الجسم، و يعتقدون أن له علاقة بالوراثة و بحمية الأم أثناء الحمل و وضعها عند الولادة). نعلم جيداً أن بعض الجراثيم تنتج جزيئات تؤدي إلى اضطرابات في الجسم مسببة السمنة و غيرها من المشكلات، فقد أظهرت الدراسات أن الجراثيم المعوية في الأشخاص الأصحاء تحرّر مركبّات تقوي جدران الأمعاء، أما عند من يعاني السمنة فهي تصنع مركبات تضعف جدار الأمعاء لذلك تتمكن الجزيئات البكتيرية من الانتقال إلى المجرى الدموي، و بما أنها تعد عناصر غريبة فيه سينتج عن وجودها ردود فعل مناعية ينتج عنها التهابات مزمنة تتداخل مع قائمة من الوعكات الصحية كالإلتهابات المعوية و التوتر و الاكتئاب.

يقتضي عمل Tabor عزل عدة مستشعرات ثم إعادة تصميمها و من ثم وصلها بجينات العصيات المعوية، على أن يضع في كل عصية معوية عدة مستشعرات لتتمكن من ضبط عدة إشارات بآن واحد لتعطي دقة أكبر في التشخيص.

يخطط الباحث أيضاً لهندسة هذه الخلايا لتصبح قادرة على إنتاج الأدوية داخل الجسم عند الحاجة و في أي مكان منه، يمكن اعتبار هذه الأدوية كمضادات حيوية عالية الدقة مصممة للارتباط بالمواد الكيميائية الجرثومية لإبطال مفعولها و منعها من التسرب إلى الدم، و بذلك يكون قد منع التغيرات التي تؤدي للسمنة و الالتهابات و الأمراض المرتبطة بها، كما أن إيصال الأدوية إلى الأنسجة بشكل متخصص سيخفّض التأثيرات الجانبية و يرفع الفعالية.

و أخيراً تقول Palema Silver من معهد Wyss للهندسة المستوحاة من البيولوجيا في جامعة هارفرد - و التي نشرت تقريراً عن أول ميكروب تركيبي تمت هندسته عام 2014: "على أيه حال، فإن هذه الأحياء معدلة وراثياً ، لذلك فهناك مخاوف كبيرة حولها، و علينا أن نقدر مخاطرها مقابل منافعها المرجوّة، لكننا نعمل على تطوير الطرق التي تجعلها آمنة، و أعتقد أن القلق من مخاطرها قد يتضاءل أمام فوائدها بالأخص عند الأشخاص الذين يعانون أمراضا ً مزمنة".

*E.coli : العصيات المعوية جراثيم تعيش بشكل طبيعي في أمعاء الإنسان.

**Probiotic: المتممات الغذائية عبارة عن جراثيم و خمائر تناولها بكميات مناسبة يمنح فوائد للمضيف.

المصادر:

هنا