الفيزياء والفلك > علم الفلك

لِمَ يبدو روّاد الفضاء عديمي الوزن؟!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يعتقد البعض أنَّهم على علمٍ بالسبب الحقيقي الذي يجعل روّاد الفضاء والأشياء الأخرى في المركبات الفضائية كمحطة الفضاء الدولية* تبدو وكأنّها تطفو. لكنَّ ذلك الاعتقاد يشوبه أحيانًا بعض التصورات الخاطئة التي لا تُعبِّر عن فهمٍ عميق للفيزياء.

في ضوء ذلك سنحاول أن نأخذ تصوّرًا عن الأفكار التي قد يمتلكها البعض عن بيئة "معدومة الجاذبية" على متن سفينة فضائية تدور حول الأرض، ثم نشرح بعدها السبب الحقيقي خلف ظهورهم وكأنَّهم عديمو الوزن.

عندما نسأل: لمَ يبدو روّاد الفضاء في السفينة الفضائية عديمي الوزن، ستكون أغلب الإجابات كالآتي:

1. لا توجد جاذبية في الفضاء. بذلك لن يكون لهم وزن.

2. الفضاء فراغ، ولا توجد جاذبية في الفراغ.

3. روّاد الفضاء بعيدون جدًّا عن سطح الأرض حتى يخضعوا لقوة الجذب الثقالية.

حسنًا، جميع الإجابات السابقة خاطئة!

أولًا، الشيء الأساسي الذي يجب أن ندركه، هو أن هناك جاذبية في الفضاء. ويُعدُّ افتراضنا عن عدم وجودها مفهومًا خاطئًا وشائعًا للغاية. فما الذي يُبقي القمر على مداره حول الأرض؟ والأرض على مدارها حول الشمس؟ وما الذي يربط المجرات ببعضها؟

الإجابة الصحيحة هذه المرة هي الجاذبية الموجودة في كل مكانٍ حولنا في الفضاء.

ثانيًا، إن عُدنا قليلًا إلى المعادلة المعروفة بقانون نيوتن للجذب العام*، التي نستطيع منها حساب التجاذب الثقالي بين نقطتين من الفضاء، وطبقّناها على محطة الفضاء الدوليّة لنحسب مقدار الجاذبية عليها، سنجد أنَّه على ارتفاع 370 km فقط (وهو ارتفاع المحطة عن سطح الأرض) سيكون الأمر سيّان بين بقائك في محطة الفضاء الدولية أم على سطح الأرض. فروّاد الفضاء في تلك المحطة يختبرون قرابة 90 % من الجاذبية الأرضية، إذًا مع هذا الفرق البسيط ما الذي يجعلهم يطفون بهذه الطريقة الغريبة دون بذل أي جهد؟ ألا ينبغي أن يسقطوا نحو أسفل المحطة؟

وكيف لا تصطدم محطة الفضاء الدولية بأكملها بالأرض بدلًا من أن تحافظ على مسارها حول الأرض كما يحدث الآن؟

وبكل بساطة يكون الجواب "السرعة"!

فهم -فعليًّا- لا يَطْفُون، إنَّما يسقطون.

نعم، هم يتساقطون حول الأرض دون أن يقعوا عليها لامتلاكهم سرعة مدارية كبيرة لا تقل عن 28000 Km/h كيلو متر/ساعة، تُبقيهم على المدارِ الصحيح دون أن يرتطموا بالأرض أو يذهبوا بعيدًا في الفضاء، مكملين دورةً كاملة حولها كلّ 90 دقيقة.

وبما أنّهم يتسارعون فإن انحناء سقوطهم يزداد ويتجهون بعيدًا عن الأرض أسفلهم ولا يتمكنون من الاقتراب منها أبدًا. ولأنَّ للروّاد تسارع المحطة نفسه سيخضعون لهذا السقوط وسيشعرون بانعدام الوزن.

سنتخيّل قليلًا أننا قد تمكنّا من بناء برجٍ ارتفاعه بعلوّ محطة الفضاء الدولية (أي 370 كيلو متر)،  فستكون الجاذبية -كما اتفقنا مسبقًا- في القمة مقاربةٌ جدًّا لشدتها في أسفل البرج، والآن لو خطوت خارج حدود قمة البرج سينتهي بك الأمر بالسقوط الحر نحو الأرض، تمامًا كما فعل "فيليكس بومغارتنر" الشهير الذي قفز من حافة الفضاء الخارجي على ارتفاع 39 كيلو متر في الخامس عشر من آذار(مارس) من العام 2012. (بالطبع، لم نخبرك عن المخاطر التي قد تؤدي إلى مصرعك إن لم يُتدارك الوضع، مثل درجات الحرارة المنخفضة للغاية، عدم وجود الهواء أو الاختلافات في الضغط الجوي إضافة إلى عوامل أخرى، التي بالطبع قد تداركها "فيليكس" حتى تمكن من النجاح بقفزته).

(قفزة فيليكس)

حسنًا، لنفكر بشيء آخر غير أن تخطو مباشرةً من أعلى البرج. مثلًا إن ركضت ثم وثبت من أحد جوانب القمة، عندئذ فإن طاقتك الحركية سوف تدفعك نحو الأمام مبتعدًا عن حافة البرج وفي الوقت نفسه سوف تسحبك الجاذبية نحو الأسفل وبدلًا من أن ترتطم بالأرض عند قاعدة البرج كما السابق، سوف ترتطم بها لكن عند مسافة أبعد، فكلما ركضت أسرع كانت وثبتك أبعد.

الآن، تخيّل لو أنك قد ركضت عند وثبتك بسرعة المكوك الفضائي أو محطة الفضاء الدولية على مدارها حول الأرض 28000 Km/h عندها سيصنع مسار قفزتك دائرة حول الأرض، أي إنك ستكون في مدارك الخاص حول الأرض، وسوف تستمر بالسقوط دون أن ترتطم بالأرض وتشعر بحالة انعدام الوزن. وإن تمكنت من الجري بسرعة 44555 Km/h ستجتاز بقفزتك الأرض بعيدًا لتبدأ بالدوران حول الشمس. على كل حال ستحتاج بذلة فضائية وإلى كثير من الهواء لتتنفس.

تأتي عديد من الأوقات التي نكون فيها عديمو الوزن لوهلة على الأرض. إن سبق لك وركبت في عربة "الأفعوانية الملتوية" الموجودة في مدن الألعاب، وقد اجتزت للتو قمة المنحدر لتبدأ بعدها العربة بالنزول بسرعة، ستشعر عندها وللحظات وكأن جسدُك يرتفع عن المقعد. أو تخيّل أنّك في مصعد على ارتفاع مئة طابق، وانقطع السلك فجأةً، عندها قد تطفو بداخل حجرة المصعد مادام هو مُستمرًا في سقوطه. بالطبع، في هذه الحالة ستكون النهاية كارثية.

قد يتساءل البعض عن إمكانية وجود آثار جانبية لانعدام الوزن على الحالة الجسديّة لروّاد الفضاء.

فعلًا، وعلى الرغم من سنوات التدريب الطويلة، يُصاب روّاد الفضاء بضعف حركي عند وصولهم إلى المدار مُستغرقين عدّة أيام حتّى يعتادوا على الإحساس بانعدام الوزن. لذلك، طوّرت ناسا طائرة مخصّصة، مَهمتها خَلْق فترات صغيرة من حالة انعدام الوزن لمساعدتهم في الاعتياد عليها ولاختبار المعدات والتجارِب بوجودها، تُدعى بـ KC153 وتُلقّب بـ"مذنّب القيء The Vomit Comet". تُحلّق الطائرة وفقًا لمسارات قطوع مُكافئة (مثل العربة الأفعوانية التي تكلمنا عنها سابقًا، لكن بسرعات أكبر وعلى ارتفاعات أعلى) يَشعر المسافرون فيها عند اجتياز الطائرة قمة المسار واتجاهها نحو الأسفل ببضع ثوان من انعدام الوزن قبل أن تُمسكهم الجاذبية مرّةً أُخرى ويسقطوا نحو أرضية الطائرة، ليتبع ذلك الشعور بالجاذبية المُضاعفة في أسفل المسار.

(طائرة "مذنب القيء The Vomit Comet")

في الحقيقة لا يوجد أي مكان في الكون بأسره تكون جاذبيته معدومة؛ فأنتَ تحت تأثير جاذبية كل مثقال ذرة من الكون المرصود، ودون الأرض أو الشمس لبدأت بالسقوط نحو مركز مجرة درب التبانة أو ربّما باتجاه عنقود العذراء الهائل.

*معلومات إضافية عن محطة الفضاء الدوليّة هنا

*حساب جاذبية كل كوكب بوساطة قانون نيوتن للجذب العام هنا

----------------------------------------------------------------------------

المصادر:

هنا

هنا