الهندسة والآليات > كيف تعمل الأشياء

كيفَ يعملُ جهازُ التَّحكُم؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

في ليلةٍ من ليالِي الشتاءِ القارس، تَجلسُ -عزيزي القارئ-مُتدَثِراً بِالألحفةِ وحولَكَ ما تُحبُّ وتَشتَهي من الوجباتِ الخفيفة، تُشاهدُ فيلمَكَ المفضلَّ على التلفاز، ثُمَّ تأتي الوصلةُ المعتادةُ والمملةُ من الإعلاناتِ التجاريةِ. في أغلبِ الأحوالِ ماذا تفعل؟

بالتأكيد ستتناولُ جهازَ التحكُّمِ الذي بِجانبِ طبقِ البوشارِ لِتهربَ من الإعلاناتِ متجولاً بينَ محطاتِ التلفاز. ولكن بدلاً من ذلكَ، ما رأيُكَ أنْ أُفصِحَ لك عن بعضِ أسرارِ هذا الجهازِ رَيثمَا تنتهِي تلكَ الإعلاناتِ المملة؟

سأطلبُ منكَ –عزيزي القارئ-أنْ تَنْظُرَ إلى جهازِ التحكُّمِ الذي بينَ يدَيكَ، ستُلاحظُ بِالتأكيد أنَّهُ بِلا أسلاكٍ. إذنْ كيفَ يتواصلُ جهازُ التَّحكُم مع التلفازِ؟!

تتواصلُ أجهزةُ التحكُّمِ مع الأجهزةِ التي تَتَحكَّمُ بِها بِواسطةِ الموجاتِ الكهرومغناطيسيةِ (1). وإنَّ جهازَ التحكُّمِ الذي بين يديكَ الآن يتواصلُ مع تلفازِكَ –غالباً-بِواسطةِ الأشعَّةِ تحتَ الحمراءِ (2)، غيرَ أنَّهُ هناكَ بعضُ أجهزةِ التحكمِ التي تتواصلُ مع التلفازِ بِواسطةِ موجاتِ الراديو.

ولو نظرتَ مَليَّاً إلى رأسِ جهازِ التحكُّمِ، ستَجدُ جزءاً بلاستيكياً صغيراً يُسَمَّى باعثَ الضوءِ الثنائي (LED)، والذي سبق وتحدثنا عنه بمقال سابق للباحثون السوريون هنا ويقومُ هذا الجزءُ بِبَثِّ الأشعةِ تحتَ الحمراءِ في حالِ قُمْتَ بِالنَّقْرِ على أحدِ تلكَ الأزرارِ الموجودةِ على جهازِ التحكُّمِ. الآن انْتَقِلْ بِبَصرِكَ إلى الجزءِ الأمامِيِّ من التلفازِ أو جهازِ الفيديو وأَمْعِنِ النظَرَ قليلاَ، ستجدُ حسَّاساً كاشفاً لِلأشعةِ تحتَ الحمراء، حيثُ يقومُ بِالتقاطِ تلكَ الأشعةِ التي أرسلها جهازُ التحكم. وهكذا يستطيعُ جهازُ التحكُّمِ والتلفازُ التواصلَ مع بعضِهِمَا البعض.

صَحِيحٌ أنَّ أعيُنَنَا لا تستطيعُ رؤيةَ الأشعةِ تحتَ الحمراء، ولكن مُعْظمَ الكاميراتِ الرقميةِ وكاميراتِ الجوالِ تستطيع. لِذلكَ بِمقدورِنَا أنْ نَخْتَبِرَ باعثَ الضوءِ الثنائي (LED) لِمعرفةِ إذا ما كانَ يعملُ أو لا من خِلالِ التجربةِ البسيطةِ التالية:

عندما تَضغطُ على أحدِ أزرارِ جهاز التَّحكُم، يقومُ الـ (LED) بِبَثِّ الأشعةِ تحتَ الحمراء. حاولْ أنْ تنظرَ إلى الـ (LED) حتماً لنْ ترى شَيئاً، فكمَا قُلنَا سابقاً بِأنَّ الأشعةَ تحتَ الحمراءِ غيرَ مرئيةٍ. الآن كرِّر التجربةَ، ولكنْ عِوَضاً عن أنْ تَنظرَ إلى الـ (LED) مباشرةً، اِنظُرْ إليه من خِلالِ كاميرا الجوال، الآن تَستطيعُ أنْ تَرى الضوءَ المُنْبَعِثَ من الـ (LED) بِوضوح. [2]

بَعْدَ أنْ تَعرَّفْنَا على وسيلةِ تواصُلِ جهازِ التحكُّمِ مع التلفاز، يحقُّ لنَا أنْ نَتَساءَلَ ما هي اللغةُ التي يتواصلانِ بِها؟ كيفَ يفهمُ التلفازُ أنَّ جهازَ التَّحكُم يأمرُهُ بِأنْ يَرْفعَ الصوتَ وليس أنْ يكتمهُ؟ أو أنْ يقومَ بِتغييرِ المحطَّةِ لا أنْ يُغْلقَ الشاشة؟

إليك الإجابةُ عزيزي القارئ: عِندمَا تَضغطُ على زرٍّ ما في جهازِ التحكم، فإنَّ باعثَ الضوءِ الثنائي –كما أسلفنا-سيقومُ بِبَثِّ أشعَّةٍ تحتَ الحمراءِ طَوَالَ مُدَّةِ ضَغْطِكَ على الزر. ولِلتَّمْيِيزِ بين زرٍّ وآخر، فإنَّ باعثَ الضوءِ الثنائيِّ -خلالَ فترةِ ضغطِكَ لِلزرِّ-يُقومُ بِإرسالِ سلسلةٍ من الوَمَضَاتِ السريعةِ جداً لِلتلفاز، حيثُ أنَّ كلَّ زِرٍّ لهُ سلسلةُ ومضاتٍ خاصةٍ بِهِ تَختَلفُ عنِ الأزرارِ الأخرى. بَعد أنْ يتمَّ اِلتقاطُ سلسلةِ الومضاتِ تلكَ بواسطةِ حسَّاسِ الأشعةِ تحتَ الحمراءِ الموجود في واجهةِ التلفاز، يقومُ التلفازُ بِترجمةِ تلك السلسلةِ من الوَمَضاتِ إلى لغةِ الشفرةِ الثنائيةِ (Binary code) وهي اللغةُ التي يستخدِمُهَا الحاسوبُ لِعرضِ أي نوعٍ من المعلوماتِ بِاستخدامِ الرقمين 1 و0 فقط. إنَّ كلاً من جهاز التحكم والتلفازِ يجيدُ هذهِ اللغةَ بِطلاقة، حيثُ أنَّ وجودَ وَمْضةٍ إشعاعيةٍ قصيرةٍ من جهازِ التحكمِ يعني الرقمَ 1 لِلتلفازِ، وعدمُ وجودِ أيَّ وَمْضةٍ من جهازِ التحكمِ يعني الرقمَ 0 لِلتلفاز.

فمثلاً، حينَ تَضغط على زرِّ خَفْضِ الصوتِ فإنَّ أمرَ خفضِ الصوتِ الذي لهُ الشفرةُ الثنائيةُ المُمَيَّزة (1000110) يكونُ مَعْلوماً مُسبقاً لِكلٍّ من جهازِ التحكمِ والتلفاز. حيثُ يقومُ جهازُ التحكمِ بِإعطاءِ أوامرٍ إلى باعثِ الضوءِ الثنائيِّ لِإرسالِ وَمَضَاتٍ سريعةٍ من الأشعةِ تحتَ الحمراءِ لِتمثيلِ تلك الشفرةِ على شكلِ السلسلةِ التاليةِ (لا وميض – وميض – وميض -لا وميض -لا وميض -لا وميض -وميض). تسافرُ هذه السلسلةُ من الوَمَضاتِ عَبْرَ الهواءِ متجهةً إلى التلفازِ بِسرعةِ الضوءِ حتى يتَسنَّى لهُ اِلتقاطُها. إنَّ سلسةَ الومضاتِ هذه سريعةٌ جداً، حيثُ أنَّ باعثَ الضوءِ الثنائيِّ يستطيعُ التبديلَ بينَ حالةِ "وميض" وحالةِ "لا وميض" 38 ألفَ مرَّةٍ في الثانيةِ الواحدة. [2].

الآن يقومُ حساسُ الأشعةِ تحتَ الحمراءِ في التلفازِ بِالتقاطِ تلك السلسةِ من الومضاتِ، ومن ثَمَّ يقومُ بِتحويلِها مرَّةً أُخرى إلى الشفرةِ الثنائيةِ (1000110) والتي يفهمُها التلفازُ جيداً على أنَّها أمْرٌ بِخفْضِ الصوتِ، فيتمُّ تنفيذُ ذلكَ الأمر.

الآن بعدَ أنْ عرَفْنَا طريقةَ تواصُلِ جهازِ التحكمِ والتلفازِ، وعرفنا كذلك اللغةَ المستخدمةَ في هذا التواصلِ، أليس من الممكن أنْ تَضِلَّ سلسلةُ الومضاتِ الحاملةِ لِلشفراتِ الثنائيةِ طريقَها؟ فبدلاً مِن أنْ يلتقِطَها التلفازُ يقومُ جهازٌ آخرٌ كَجهازِ الفيديو أو جهاز تشغيل الـ DVD بِالتقاطِهَا؟

إنَّ هذا ليس مُمْكِنًا؛ وذلك لأنَّهُ في حالةِ أجهزةِ التحكمِ الاعتياديةِ يتمُّ إرسالُ شفرةٍ تعرِيفيَّةٍ قصيرةٍ من الومضاتِ مُرْفَقَةً بِشفرةِ الأمرِ المُرَادِ تنفيذِهِ، حيثُ أنَّ هذهِ الشفرةَ التعريفيةَ يفهمُها فقط الجهازُ الذي جاءَ جهاز التحكم مُرْفَقًا بِه، فَلا يحدثُ أيَّ اتصالٍ سوى بينَهُمَا. بِالطبع إذا اِستطعتَ أنْ تعرِفَ هذه الشفرةَ التعريفيةَ لِجهازِ التلفازِ وجهازِ الفيديو وجهازِ مُشغِّلِ الأقراصِ فإنَّكَ ستكونُ قادراً على التحكُّمِ بِجميعِ تلك الأجهزةِ بواسطةِ جهازِ تحكمٍ واحدٍ فقط. مِن هنا نستطيعُ أنْ نُخَمِّنَ مبدأَ عملِ جهازِ التحكمِ العالمي (Universal Remote Control).

إنَّ هذا الجهازَ يستطيعُ استيعابَ الشفراتِ التعريفيةِ التي تَتَعرَّفُ عليها وتَفْهمُهَا مُخْتَلفَ الأجهزةِ فَيُمكِنُ بِواسطَتِهِ التحكمُ بِالتلفازِ وبِمُشغِّل الأقراصِ ومُشغِّلِ الفيديو وغيرَها من الأجهزة.

أرى أنَّ فضولَكَ يدفعُكَ لِلسؤال: هلْ يُمكنُنِي أنْ أتحكَّمَ بِتلفازِ جيراني بِواسطةِ جهازِ التحكمِ العالميِّ الخاصِ بي؟

كنتُ أتمنى أنْ أقولَ لك: أنَّ كلَّ ما عليكَ فِعلُهُ هو توجيهُ جهازِ التحكمِ الخاصِ بِك نحوَ الحائطِ الذي يفصِلُ بينكَ وبينَ جيرانِك؛ لِتُشغِّلَ لهم التلفازَ ليلاً وتخيفهم. ولكنَّ الأمورَ ليستْ بهذهِ البساطةِ، هل تعلمُ لماذا؟

إليك السبب: إنَّ جهازَ التحكمِ -كما أسلفنا- يتَّصِلُ بِالتلفازِ بِواسطةِ الأشعةِ تحت الحمراء، وهي أشعةٌ ذاتُ طاقةٍ منخفضةٍ لا يمكنُهَا اختراقَ الحائط، ولا تستطيعُ النجاةَ خلالَ رحلتِها في الهواءِ إلَّا لِمسافةِ 20 متراً كحدٍّ أقصى. ولكن هناكَ نوعٌ آخرٌ من الموجاتِ الكهرومغناطيسيةِ يمكنُهُ اختراقَ الحائط كالأشباحِ والولوجَ إلى منزلِ جيرانِك، إنَّها موجاتُ الراديو التي تعملُ بِها بعضُ أنواعِ أجهزةِ التحكم، والتي بِدورِهَا تستطيعُ التحكمَ بِالتلفازِ والأجهزةِ الأخرى في المنازلِ المجاورة.

وبِما أنَّنَا اِنتقلنا في حديثِنَا من أجهزةِ التحكمِ التي تستخدمُ الأشعةَ تحت الحمراء إلى تلك التي تستخدمُ موجاتِ الراديو، إليك قليلاً من التفصيلِ عن أجهزةِ التحكمِ هذه.

إنَّ موجاتِ الراديو لديها الطاقةَ التي تُساعدُها على الانتقالِ مسافاتٍ كبيرةٍ دونَ أنْ يتمَّ فُقدانُها، مِمَّا يُتيحُ مسافةً أكبرَ بين جهازِ التحكمِ والآلةِ المرادِ التحكمَ بِها (ألعاب أطفال، أدوات منزلية، روبوتات، وغيرها من الأجهزة). إنَّ التحكمَ بِاستخدامِ موجاتِ الراديو يتمُّ عن طريقِ جهازٍ يقومُ بِإرسالِ الإشاراتِ التي تحملُ الأوامرَ بِاستخدامِ الهوائيِّ الموجودِ في ذلك الجهازِ (وهذا هو جهازُ التحكم)، وجهازٌ آخرٌ يقومُ بِاستقبالِ تلك الأوامرِ عن طريقِ الهوائيِّ الخاصِ به (وهذا هو الجهاز المُرادُ التحكمَ به).

هناك نوعان من أجهزةِ التحكمِ والتي تستخدمُ موجاتِ الراديو:

1- أجهزةَ التحكمِ الراديويةِ ذاتِ الأمرِ الأحادي (Single-channel radio control): يُعملُ جهازُ التحكمِ في هذه الحالةِ كَمفتاحٍ لِلإطفاءِ أو لِلتشغيلِ عن بُعد، مثلَ إغلاقِ مصباحِ المطبخِ الذي نسيتَ إطفاءَهُ وأنتَ في غُرْفَتِك.

وفي هذا النظام، يتكوَّنُ جهازُ التحكمِ من جهازِ إرسالٍ منخفضِ الطاقةِ، بينما يتكوَّنُ جهازِ الاستقبالِ من مستقبلٍ لِموجاتِ الراديو و (Relay) يقومُ بِتحويلِ إشاراتِ الراديو منخفضةِ الطاقةِ إلى تيارٍ كهربائيٍّ ذي طاقةٍ كبيرةٍ تكفي لِتشغيل الآلة.

2-أجهزةُ التحكمِ الراديويةِ ذاتِ الأوامرِ المتعددة (Multi-channel radio control): يقومُ جهازُ التحكمِ في هذه الحالةِ بِإرسالِ أوامرٍ مُتعدِّدَةٍ أكثرَ تعقيداً من السابق. فمثلاً إذا ما أردْنَا التحكمَ بِسيارةِ اللعبِ عن بُعد، فإنَ هناك عدداً كبيراً من الأوامرِ التي نستطيعُ إرسالَهَا من جهازِ التحكمِ لِلسيارة، وتلك الأوامرُ تتعدَّى مُجرَّدَ الإغلاقِ والتشغيل. فربما يكونُ الأمرُ عبارةً عن الإسراعِ أو الإبطاءِ بِتسارعٍ أو تباطؤٍ معينٍ لِلوصولِ لسرعةٍ معينة، وربما يكونُ تغييرَ الاتجاهِ بزاويةٍ مُحدَّدَة. وفي هذه الحالةِ يقومُ جهازُ التحكمِ بِإرسالِ سلسلةٍ من الومضاتِ (شفرة) لِيلتقِطَها الجهازُ المرادُ التحكمَ بِه ويترجمَها إلى لغةِ الشفرةِ الثنائية، ومن ثَمَّ يقومُ بِتنفيذ الأمر.

الخاتمة:

هذا كلُّ ما لدينا اليوم عن أجهزةِ التحكمِ عنْ بُعد، وأنا على يقينٍ تامٍ بِأنَّ فقرتَنَا كانتْ أمتَعَ بِكثيرٍ من تلك الإعلاناتِ المُمِلة، تَستطيعُ الآن العودةَ ومتابعةَ فيلمك المفضل، كما تستطيعُ -عزيزي القارئ-أنْ تطرحَ تساؤلاتِكَ واستفساراتِك في قسم التعليقات.

(1) الموجاتُ الكهرومغناطيسية: هي عبارةٌ عن حُزَمِ من الذَبْذَبَاتِ ذاتِ الطاقةِ الكهربيةِ والمغناطيسية، والتي يُمْكِنُها الانتقالُ عَبرَ الهواءِ بِسرعةِ الضوء. ومِن الأمثلةِ عليها: الضوءُ المرئيُّ، الأشعةُ السينية، موجاتُ الراديو، الأشعةُ تحتَ الحمراءِ وموجاتُ المايكروويف.

(2) الأشعةُ تحتَ الحمراءِ: هي نوعٌ من موجاتِ الضوءِ الكهرومغناطيسيةِ غيرَ المرئيةِ، تَبُثُّها الأجسامُ ذاتُ الحرارةِ، وكلما زادتْ حرارةُ الجسمِ الباعثِ لِتلكَ الموجاتِ زادَ شعورُنَا بِهذهِ الموجاتِ عن طريقِ إحساسِنَا بِالحرارة.

المصادر:

[1] هنا

[2] هنا