الكيمياء والصيدلة > كيمياء غذائية

هل يمكن لنوعٍ من أنواع العسل أن يكون ساماً؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

كشفت دراسةٌ حديثةٌ عن احتواء العسل الأسترالي على سمومٍ طبيعيةٍ بمستوياتٍ تفوق تلك المسموحَ بها عالمياً، تُدعى هذه السموم بقلويدات البيروليزيدين Pyrrolizidine Alkaloids (PAs)، وهي معروفةٌ بسُمّيتها الكبدية، ويُشتبه بأنها تسبب السرطان عند استهلاكها بجرعاتٍ عالية. وُجدت هذه القلويدات في 41 من أصل 59 نوعاً من العسل الأسترالي تم اختبارها، وبمستوياتٍ تعادل أربعةَ أضعاف تلك الموجودة في أنواع العسل الأوروبي. وكان أبرزُ هذه القلويدات هو الإيكيميدين واللايكوبسامين، والتي عُثر عليها في 76% و88% من العينات التي أعطت نتيجةً إيجابيةً، على الترتيب. ورُغم ادعاءِ مزارعي العسل أنّ التقرير يعتمد على بياناتٍ قديمةٍ ومبالغٍ بها، فقد حذر الباحثون من تعرّض الحوامل والمرضعات على وجه الخصوص لهذه السموم.

تَنتج هذه المواد السامة في 600 نوع من نباتات المراعي في أستراليا، ومن ضمنها زهرة Paterson's curse بهدف حمايتها من بعض الحشرات، وعندما يشرب النحل الرحيقَ من أزهارها، تنتقل هذه المواد من خلال النحلِ إلى العسلِ الذي تصنعه. وقد أوضح الباحثون أن الجرعاتِ العاليةَ من قلويدات البيروليزيدين PAs قد تسبّب ضرراً شديداً في الكبد عند الإنسان، ما قد يؤدي أحياناً إلى الموت. وأظهرت التجارب المخبرية على القوارض والخلايا البشرية أن هذه القلويدات بإمكانها التسببَ بحدوث السرطان.

لم تتمّ مراقبةُ ارتباط هذه القلويدات مع السرطان بشكلٍ مباشرٍ على الإنسان، إلا أن الباحثَ جون إدغار John Edgar أوضح ضرورةَ تجنّب هذه المواد قدرَ الإمكان، وأن التقليلَ من تلوثِ الأطعمة مثل العسل، والشاي، والسلطات، والطحين، والألبان والمنتجات العشبية بهذه القلويدات، سوف يؤدي إلى انخفاضٍ واضحٍ في حالات السرطان حول العالم. وفي محاولةٍ للتخفيف من هذه المخاطر، سمحت هيئةُ المعايير الغذائية في أستراليا ونيوزيلندا بأن تكونَ هذه النباتاتُ مصدراً للعسل، شريطةَ مزجه مع أنواعٍ أخرى من العسل بغرض تمديده.

وأوضح المتحدثُ باسم الهيئة أنه من غير الممكن منعُ استخدام هذه النباتات كمصدرٍ للعسل خاصةً في أماكن وجود المناحل، بل المطلوبُ هو السيطرة على التلوث و إبقاؤه في الحدود الدنيا، لذلك يُعتبر المزجُ بين أنواع العسل المختلفة طريقةً عمليةً للتقليل من مستويات قلويدات البيروليزيدين.

بالرغم من كلّ التحذيرات السابقة، أظهرت التحاليلُ التي أجراها علماءُ من معهد كورك للتكنولوجيا في إيرلندا أن معدلَ التعرّضِ اليومي للعسل الأسترالي عند مستهلكيه يبلغ 0.051 ميكرو غرام لكل كيلو غرام من وزن الجسم عند البالغين، و0.204 ميكرو غرام لكلّ كيلو غرام من وزن الجسم بالنسبة للأطفال، وهذه الأرقام تتخطى بشكلٍ كبيرٍ الحدّ الأعظميَّ للتعرض اليومي المسموح به من قِبل الهيئة الأوروبية لسلامة الاغذية، والذي يبلغ 0.007 ميكرو غرام لكل كيلو غرام من وزن الجسم، لكنها أقلُّ من الحدِّ المسموح به في أستراليا والذي يبلغ 1 ميكرو غرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم.

يزعم بعضُ الخبراء أن نتائجَ هذه الدراسة مبالغٌ بها، وأن الدراسةَ قد تمّت على عيناتٍ من العسل تمَّ جمعها منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقد أوضحت جودي غولدزوورثي Jodie Goldsworthy التي تعمل في إحدى شركات صناعة العسل أن هذه الدراسةَ تبالغُ في مدى استهلاك الناس للعسل، وتقدر وزنَ الجسم بشكل أدنى من الواقع، وبالتالي فقد تسببتْ باستنتاجاتٍ خاطئةٍ وبعيدةٍ كل البعد عن الواقع، حيث يستهلك الفرد في أستراليا ما يعادل الكيلوغرام الواحد من العسل سنوياً، بينما تقول هذه الدراسة أن الاستهلاكَ السنويَّ للفرد الواحد هو 7.5 كيلو غرام.

ورغم تأكيد الخبراء على الحاجة لمزيد من التجارب لتحديد مدى وأهمية تلوثِ العسل الأسترالي بهذه القلويدات، فإنهم يوافقون على أنّ أفضلَ إجراءٍ يجب اتّباعه هو تجنّبُ استهلاكِ العسل الذي تنتجُه بعض النباتات مثل Paterson's curse، والذي يباعُ غالباً في أسواقٍ متخصصة.

بينما يوضح آندرو بارثولومايس Andrew Bartholomaeus من جامعة كانبيرا، والذي لم يكن من ضمن فريق العمل في هذا البحث، أنه لا يوجد خطرٌ حقيقيٌّ على صحة الإنسان عند استهلاكه لكمياتٍ طبيعيةٍ من العسل الأسترالي، أمّا من يستهلكُ كمياتٍ كبيرةً فمن الأفضلِ له تناولُ العسل الذي تنتجُه أنواعٌ أخرى من النباتات.

المصدر:

هنا

الدراسة:

هنا