العمارة والتشييد > العمارة المستدامة

أفضل ستة تطبيقات معمارية للحصول على عمارة مستدامة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

حاول المهندسون المعماريون منذ عصر فيتروفيوس في القرن الأول قبل الميلاد تلخيص أفضل ما في مهنتهم إلى عددٍ من النقاط المهمة، ووضع فيتروفيوس في كتبه العشر عن العمارة أول قوانين البناء من خلال مئات الصفحات من النصوص والرسوم البيانية المفصلة. مثلاً في كتابه الثالث يقوم فيتروفيوس باقتراح طريقة لحساب عدد درجات السلالم قائلاً "يجب ترتيب الأدراج في المقدمة بحيث يكون عددها فردي دائماً، لأن القدم اليمنى التي يصعد بها الشخص خطوته الأولى ستكون دائماً أول من يصل إلى أعلى الدرج". يُعتبر هذا المثال اليوم انعكاساً للأولويات القديمة، ولكن منذ ذلك الوقت ومروراً بِبالاديو إلى لوكوربوزييه حاول المعماريون التعبير عن مبادئ التصميم بينما سعى القليل منهم لمواجهة التحديات التي تتصدّى لمعماريي اليوم. مع ازدياد وضوح آثار تغيٌّر المناخ، والصراعات المستمرة بسبب الحاجة إلى الموارد، والتقلبات المالية التي تنتج عنهما، كيف يمكن لأفضل التطبيقات المعمارية في وقتنا أن تبقى محافظةً على النسب والتناظر أو على العدد المفضل من الأدراج؟

أفضل التطبيقات للعمارة المستدامة اليوم:

يعمل مايكل رينولدز وفريقه في Earthship Biotecture على تطوير أفضل التطبيقات لعقود، وقد وضعوا ست نقاط أساسية يمكنها أن توجه التصاميم المعمارية إلى مستقبل بيئي مستدام. تمثّل هذه النقاط الست استجابةً فعّالةً للمشاكل الطارئة التي تواجه كل من الوقت الحاضر والمستقبل. وتبحث هذه النقاط عن اقتراح يضمن الإلتقاء مع الأرض بدلاً من تسخيرها وإخضاعها للبيئة المبنية بحيث تسمح للكوكب أن يؤمن احتياجاته بنفسه، هذه الاحتياجات هي المياه من السماء، والشمس، والأرض نفسها التي تؤمن حرارة هائلة ومواد البناء. إن ظواهر الطبيعة هي أساس النقاط الست التالية:

١- تنظيم درجة الحرارة مع الأرض والشمس

غالباً ما يتم تجاهل كل من الأرض وفكرة استغلال حرارة الأرض الثابتة في مهنة البناء. في حين تدعو العديد من التطبيقات المعمارية إلى عزل كبير ومعايير تهوية متعددة، متجاهلةً حقيقة أنه يمكن للأرض نفسها تأمين درجة حرارة ثابتة ومنظمة. إن الاستخدام الاستراتيجي للكتلة الحرارية المتضمنة داخل غطاء العزل والمصحوبة بتهوية فعالة هو ما يسمح لفراغات عيش الإنسان أن تبقى في درجة ٢٢ درجة مئوية أو ٧٢ فهرنهايت من خلال تغيُّر الفصول ودون استخدام الوسائل الميكانيكية للتدفئة أو التبريد. أنظمة مضخات الحرارة الأرضية تسعى إلى الاستفادة من هذه الطاقة ولكن من خلال عملية مكلفة ومعقدة، فالأرض ببساطة يمكنك الحفر بها.

٢- تجميع مياه الأمطار

إن تجميع مياه الأمطار هي الاستراتيجية الأكثر شيوعاً بين المهندسين والمعماريين للتخفيف من تأثير الكربون. في معظم الأحيان تُستخدم مياه الأمطار في المراحيض ولتخفيف حاجة المبنى لمياه الشبكات المحلية، ولكن مياه الأمطار مع القليل من التصفية يمكن أن تُجمَع لتغطي كافة استخدامات منزل متواضع الحجم. باستخدام الجاذبية مع مضخة صغيرة ورمل أو مصفاة خزفية معاً يمكن لساكني المنزل استخدام المياه المصفّاة للغسيل والطبخ والشرب وبالتالي عدم الاعتماد على شبكات المياه المحلية لتوزيع المياه مطلقاً.

٣- توليد الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة

تعتبر الطاقة الكهربائية ووسائل الاتصال المتعلقة بها حاجةً أساسية وتزداد أهميتها كلما تقدمنا في العصر الحديث إلا أن الحالة التكنولوجية الراهنة تتطلب استثماراً حكومياً ضخماً في تحسين نظم التوزيع المركزية القديمة وغير الكافية. استخدام مصادر الطاقة المحلية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية وغيرها تتجاوز كل استثمارات القطاع العام. وإضافة إلى ذلك عند الانتقال إلى نظام لامركزي يظهر الاستخدام الاستراتيجي للتيار المتناوب والتيار المستمر الذي يضمن الاستخدام الأمثل للطاقة الكهربائية، فالطاقة الكهربائية اللامركزية تتيح الفرصة لعيش الحياة الحديثة في كفاءتها القصوى.

٤- تجميع المياه المنزلية المستعملة لسقاية المحاصيل الغذائية

إن تجميع المياه المنزلية المستعملة (المالحة) ليس جديداً، فالعديد من المباني الحديثة تستخدم المياه المنزلية المستعملة مرة أخرى في المراحيض ولكن بعد تصفيتها فتبدو صافية. هذا النوع من أنظمة التصفية تزيل العناصر الغذائية القيمة التي يمكن استخدمها في سقاية المحاصيل الزراعية وغيرها من النباتات. فالأنظمة الزراعية لا تصفّي المياه من خلال الوسائل الطبيعية فقط، بل تعمل أيضاً على تصفية وتنقية الهواء وتوفير جميع أنواع المواد الغذائية من التين والطماطم والريحان والكثير غيرها.

٥- علاج مياه الصرف الصحي محلياً

منذ آلاف السنين قام البشر ببناء شبكات صرف صحي هائلة لنقل كافة نفايات الصرف الصحي إلى نقطة واحدة تحت الأرض. وبعدها إما يتم رمي النفايات في البحر أو تمريرها عبر منشآت معالجة ضخمة ومن ثم رميها في البحر. تشكل هذه العملية تحدياً كبيراً على مستوى البلديات ولكن على المستوى المنزلي يمكن استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها ضمن خطوط معالجة خاصة في العائلة الواحدة كمصدر لسقاية المسطحات الخضراء وبعض المحاصيل الغذائية، ثم بعد ذلك تعود بشكل غير مؤذي إلى البيئة من خلال عملية النتح.

٦- البناء باستخدام مواد مُعاد تدويرها

إن تحديد المسافة بين مواد البناء وموقع البناء هو أحد المعايير المشتركة لقياس درجة فعالية المنشأة المعمارية، وهذا يعني أن المواد المحلية هي الأفضل، أي أن كمية المواد المعاد تدويرها أو المستدامة يمكنها خفض كمية النفايات. وقد حدد فريق Earthship Biotecture إطارات السيارات والقوارير البلاستيكية والعلب المعدنية كأفضل أنواع القمامة التي يمكن إعاد تدويرها لاستخدامها في عملية البناء، حيث يُعد استخدام المواد التي كانت ستذهب مباشرةً إلى مكب النفايات أمراً مسؤولاً وفعالاً من حيث التكلفة عندما يصمَّم المبنى ويشيد بشكل جيد.

إن شركة Earthship Biotecture لم تطور فقط النظريات المتعلقة بكل من هذه النقاط الست عبر العديد من التجارب، ولكنها أيضاً تقترب من إيجاد حلٍّ معماريٍّ نموذجي يأخذ بكل من النقاط الست السابقة ويمكن بناؤه في أي مكان، ويسخّر هذا النمودج الذي يدعى The Global Model Earthship كل ظواهر الطبيعة لاستغلال الخيرات الوفيرة الذي يقدمها الكوكب، كما أنه يخلق مساحة معيشية لأسرة مكونة من خمسة أشخاص ويتضمن كل من خدمة الإنترنت Wi-Fi والماء الساخن وخدمة توزيع الصوت المحيطي، وذلك بشكل مستدام ومستقل وبعملية يمكن وصفها بأنها إعادة تكوين للبيئة الحقيقية للإنسان. وفي حين أن هذه النقاط نقلت مهنة العمارة لاتجاه نبيل نحو الاستدامة والراحة المعيشية للجميع يجب علينا أن نعترف أنه تم بناؤها انطلاقاً مما أسسه أجدادنا، ومن هذا المنطلق يجب العودة إلى دفاع فيتروفيوس الذي كان سيؤيد هذه النقاط الست مبيناً كما في كتابه ”جميع الآليات مستمدة من الطبيعة“ (الكتاب العاشر،الفصل الأول، القسم الرابع).

بعد قراءتكم لهـذا المقال، هل تعتقدون أن هذه النقاط قابلة للتطبيق؟ وما مدى جدواها في حال طُبقت في ظل التغيرات المناخية والصعوبات التي نواجها في سبيل توفير طرق أفضل وأوفر لحياة رغيدة صديقة للبيئة؟


المصدر: www.engineeringforchange.org/earthship-biotectures-six-best-practices-for-sustainable-architecture/