الطب > مقالات طبية

لِماذا نَتَنَهَّدْ ؟؟؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

لِمَاذا نَتَنَهَّدْ؟

استَطَاعَ العُلمَاءُ اكتِشَافَ الإشاراتِ الدِّماغيًّةَ المسؤُولًةِ عًن أخذِنا ذلك النَّفس العميق.

التَّعَبُ والحُزْنُ والارتِيَاحُ هِيَ مَشاعِرُ مُختَلِفَةٌ جداً، ولكِن يَبدُو أنَّنَا نَقومُ بالتَّنهُّدِ عِندَ شُعورِنَا بأيِّ شُعورٍ مِنهَا. ولَكِن، لِماذا نَقُومُ بالتَّنَهُّد؟ وُضِعَتِ الكَثيرُ مِنَ الفَرَضِيَّات حَولَ المَوضُوع دُونَ وُجودِ فَرَضِيَّةٍ واحِدَةٍ تُؤكِّدُ السَّبَب، إلَّا أنَّ العُلَمَاءَ قد وَجَدُوا مُؤخَّراً القِطعَةَ الأَخِيرة التي حَلَّت هَذا اللُّغز بَعدَ أنِ اكتَشَفُوا السُّبُلَ العَصَبيَّةَ المَسؤُولَةَ عَن تَواتُرِ التَّنهُّد بِغَضِّ النَّظَرِ عَن تَوَاتُرِ التَّنَفُّسِ الطَّبِيعِيِّ المُنتَظَمِ أَوِ العَفْوِيِّ. نُشِرَتْ هَذِهِ الدِّرَاسَةُ فِي مَجلَّةِNature بتاريخ 8 شباط 20١6 .

التَّنهُّد الذي يُعرّف بأنَّه نفَسٌ طَويلٌ وعَمِيقٌ يبلُغُ حَجمُهُ ضِعفَ حَجمِ النَّفَسِ الطَّبيعِيِّ، والمَعروفُ بارتِباطِهِ بالمَشَاعِرِ وتَزَامُنِهِ مَعَها، بالإضَافَةِ لِدَورِهِ فِي تَوسِيعِ الرِّئَتَينِ لكَونِهِ نَفَساً عَميقاً يَحدُثُ دَورِياً، وبِذَلكَ يَقومُ بِفِعلِ نَفخٍ أو تَمطيطٍ للأسنَاخِ لِتَبلُغَ أَكبَرَ حجمٍ لها، والأسنَاخُ كَما نَعلَمُ هِيَ أَكياسٌ صَغِيرَةٌ فِي الرِّئَتَينِ يَتِمُّ فِيهَا تَبَادُلُ غَازَيّ الأوكسجين و ثُنائي أوكسيد الكربون بينَ الهواءِ والدَّمِ.

نفخُ الأسناخِ أو تَمطِيطُهَا ضَرُورِيٌّ لِتُحَافِظَ الرِّئَتَانِ على وَظِيفَتِهِما. يقولُ جاك فيلدمان Jack Feldman الاختِصَاصيُّ في العُلومِ الحَيويَّةِ العَصَبيَّة neurobiology في جَامِعَةِ كَالِيفورنيا في لوس أنجيليس UCLA و أحدُ المُشارِكِينَ في الدِّرَاسَة، "عِندَما تَنخَمِصُ الأسنَاخُ، فإنَّها تُعيقُ قُدرَةَ الرِّئَتَينِ على القِيامِ بِتَبادُلِ الأوكسجين و ثنائي أوكسيد الكربون" و يُضيفُ فيلدمان "الطَّرِيقَةُ الوَحِيدَةُ لإعادَةِ فَتحِ الأسنَاخِ بعد انخِمَاصِهَا هِي عبرَ التَّنهُّد حَيثُ يوفِّرُ التَّنهُّدُ ضِعفَ حَجمِ الهَواءِ الذي يُوفِّرُهُ التَّنَفُّسُ الطَّبيعيُّ. وإنْ لَم تَقُم بالتَّنَهُّدِ فإنَّ رِئَتَيكَ سَوفَ تَفشَلُ مَعَ مُرورِ الوَقت".

مِنَ المُرَجَّحِ أنَّ انخِمَاصَ الأسنَاخِ هوَ الدَّافِعُ لِلدِّمَاغِ ليأمُرَ بالتَّنهُّدِ ويَحدُثُ ذلكَ حَوالِي ١٢ مَرَّة كُلَّ سَاعَةٍ، وبِشَكلٍ أكثَرَ تَواتُراً عِندَ الحَيوانات. لكن حتّى هذا الوقت لَم يَكنِ العُلَماءُ قَد تَمَكَّنُوا مِن تَحديدِ السَّبِيلِ العَصَبِيِّ المفعِّلِ لهذا المُنعَكَس.

قَرَّرَ العُلماءُ دِراسَةَ مَراكِزِ التَّنَفُّسِ في الدِّمَاغِ والمَوجُودَةِ تَحدِيدَاً فِي جذعِ الدِّمَاغِ وقَامُوا بِتَحلِيلِ المُورِّثَاتِ المَوجُودَةَ في خَلايا مَرَاكِزِ التَّنَفُّسِ وَوَجدُوا بِضعَ مِئاتٍ مِن تِلكَ الخَلايا قَادِرَةً على إِفرازِ مُركَّبٍ كِيمائيِّ أو اثنَين يُمَكِّنَاها مِن التَّواصُلِ مَعَ "مُرَّكَب preBotzinger" والذي هُوَ عِبَارَةٌ عَن حِزمَةٍ مُكَوَّنَةٍ مِن آلافِ الخَلايَا العَصَبيَّةِ المَعرُوفَةِ بِتَحَكُّمِها بِتَواتُرِ وانتِظَامِ التَّنَفُّسِ.

قَامَ العُلماءُ بِعزلِ المُركَّبَينِ الذين تُفرِزُهُمَا هذه الخَلايا، والمُسمَّيينِ "Nmb" أو “Grp”،وَحَقنِهِمَا دَاخِلَ أدمِغَةِ الفِئرَان، وَجدُوا أنَّ تلكَ الفِئرَانَ بدأت تَتَنهَّدُ أكثرَ بعشرةِ أضعافٍ خِلالَ سَاعَةٍ من الزَّمَن. بَعدَ ذلكَ قامُوا بِتَثبِيطِ (منع عمل) مُرَّكبِ ال”Grp” فوجدُوا أنَّ تَنَهُّدَ الفِئرانِ قد انخَفَضَ إلى النِّصفِ خِلالَ سَاعةٍ منَ الزَّمَن، وكادَتِ الفِئرانُ أن تَتَوقَّفَ عَنِ التَّنهُّدِ كُلِّياً بَعدَ حَصرِ المُرَكَّبينِ معاً، أَي بِمعنىً آخر تَثبيطِ السُّبُلِ العَصَبِيَّةِ. ويَجدُرُ بِنا التَّنويهُ إلى أنَّ كُلَّ التَّغَيُّراتِ المَذكُورَةِ لَم تُؤثِّر إِطلاقاً عَلى التَّنَفُّسِ الطَّبيعيِّ لِتلكَ الفِئرَان.

تُوجَدُ هذه المُرَكَّباتُ البِبتيديّة لدى الإنسانِ أيضاً، ويَعتَقِدُ الباحثونَ أنَّها مَسؤولَةٌ عَن تَنظِيمِ التَّنَهُّدِ لدى البَشَر. إنِ استَطَاعَ العُلَمَاءُ زِيَادَةَ مُستَوَيَاتِ هَذهِ المُرَكَّبَاتِ فَقَد يَتَمَكَّنُوا مِن زِيادَةِ تَنَهُّدِ الأشخَاصِ غَيرِ القَادِرِينَ عَلَى التَّنَفُّسِ الذَّاتِيِّ، وتَخفِيفِ سُرعَةِ التَّنَفُّسِ لَدى الأشخَاصِ المُصابِينَ بالقَلَقِ أو باضطِرَابَاتٍ عَصَبيَّةٍ أُخرَى تُؤدِّي إلى التَّنَهُّدِ بِشَكلٍ مُتَكَرِّرٍ مِن خِلالِ التَقلِيلِ مِن مُستَوياتِ هذه المُرَكَّبات.

يَعتَقِدُ هَؤلاءِ البَاحِثُونَ أنَّهُم تَوصَّلوا لِمَعرِفَةِ غَالبِيَّةِ الأمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بالدَّارَةِ العَصَبِيَّةِ المَسؤُولَةِ عَنِ التَّنَهُّدِ، إلَّا أنَّهُم حتّى الآن غَيرُ مُتأكِّدِينَ مِن دَورِ المَشَاعِرِ وَقُدرَتِهَا عَلى التَّأثِيرِ عَلى هَذه الدَّارَاتِ العَصَبِيَّةِ المَذكُورَة. يَقُولُ فيلدمان "مِنَ المُمكِنِ أنْ يَكونَ للأعصَابِ المَوجُودَةِ فِي مَنَاطِقِ الدِّمَاغِ المَسؤولَةِ عَن مُعَالَجَةِ المَشاعِرِ القُدرَةُ على إفرازِ الببتيداتِ العَصَبِيَّةِ المُرتَبِطَةِ بالتَّنَهُّدِ ولكنَّنا غَيرُ مُتأكِّدينَ مِن ذلك".

تَوصَّلت بَعضُ الدِّراساتِ التي رَكَّزت على عَلاقَةِ التَّنَهُّدِ بالمشَاعِرِ إلى أنَّ التَّنهُّدَ يُستَخدَمُ ضِمنَ الإِطَارِ الاجتِمَاعِيِّ لإيصَالِ مَشاعِرِنَا لِلآخَرين أو يُمكِنُ اعتِبَارُ التَّنَهُّدِ أيضاً بِمَثَابَةِ زِرِّ إعَادَةِ تَشغيلٍ للجهازِ التَّنَفُّسِيِّ. يأملُ البَاحِثونَ دِراسَةَ هذا الجَانِبِ مِنَ التَّنَهُّدِ بِشَكلٍ أكثَرَ تَوسُّعَاً في المُستَقبَلِ ولكنَّنا بِحَاجَةٍ إلى مَعرِفَةِ المَزيدِ مِنَ المَعلُومَاتِ عَنِ الدَّارَةِ العَصَبيَّةِ المَسؤولَةِ عَنِ التَّنَهُّدِ.

المصدر:

هنا